من منا لا يحب سعة الرزق؟ الناس مجبولون على حب الثروة، وعلى الرغبة في تحسين مستوى معيشتهم أو دخولهم. لكن تحقيق مزيد من الثروة ومزيد من الدخل للناس في أي دولة لا يمكن أن يحصل من دون وجود نمو في الاقتصاد الوطني، الذي يعني ببساطة توسع الاقتصاد أو ازدياد حجمه، الذي بدوره لا يمكن أن يحصل من دون ازدياد الإنتاج، تماما مثلما يحصل لنمو شركة الذي يعني أن إنتاجها - مقوما بالمبيعات - يزيد، طبعا بافتراض أن الأسعار لم تتغير.
أهمية النمو الاقتصادي لا ترجع فقط إلى حب الناس لمتع الحياة، بل هو متطلب لتحقيق - أو المحافظة على ما تحقق - حياة كريمة لعامة الناس داخل أوطانهم. وعدم تحقيق نمو اقتصادي، مع وجود تزايد سكاني يعني أن المجتمع قد أصبح أقل غنى أو أكثر فقرا، وقد ارتبط في ذهن كثيرين أن تحقيق النمو الاقتصادي أو الانتعاش الاقتصادي في الدول ذات الموارد الطبيعية مرتبط بدخولها وبزيادتها من تلك العوائد. هذا الشيء عامل لكنه ليس الوحيد وليس الأهم. من المهم أن يعرف أن عوائد الموارد الطبيعية ليست سببا مباشرا، كما أنها ليست أهم وسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي، وإن كان هذا لا ينفي إمكان كونها وسيلة لتعجيله، كما أن العكس صحيح فيمكن أن تكون وسيلة في تثبيطه. المهم أن هناك أسبابا أو عوامل للنمو.
على المدى الطويل هناك ثلاثة عوامل أساسية لا يمكن أن يكون هناك إنتاج من دونها: رأس المال البشري، ورأس المال المادي، والتقنية بمعناها الأشمل الذي يندرج تحته أي مستوى تقتني سائد. وحيث إن النمو الاقتصادي يقاس بنمو الإنتاج، فإن تحسين كل أو أحد عوامل الإنتاج الثلاثة كما و/أو كيفا بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج هو المحور والأساس لتحقيق نمو اقتصادي.
يمكن للسياسات العامة (الحكومية) في أي دولة أن تعمل على تحسين أو تثبيط إنتاجية كل أو بعض عوامل الإنتاج، ومن ثم فهي تعمل على زيادة أو تدهور النمو الاقتصادي. والسياسات العامة هنا يجدر أن أشير إلى أنها تعبير واسع يدخل فيه كل القرارات والتنظيمات والإجراءات الحكومية الحاكمة لعوامل الإنتاج والأنشطة الاقتصادية عامة، لنبدأ بالعامل الأول رأس المال البشري. السؤال يمكن أن يصاغ الصياغة التالية: ما العوامل والظروف التي ترفع إنتاجية الفرد؟
التعليم والتدريب والتفاني أو الإخلاص في أداء العمل والشعور بالإنصاف. وتفصيلا، من المهم تحسين مستوى التعليم أو رفع درجة جودته: يعمل على رفع إنتاجية الفرد أي رفع إنتاجية رأس المال البشري. كما أن من المهم انتشار وشيوع الانضباط السلوكي أو ما يسمى أخلاقيات العمل، تطبيق ما سبق على المالية العامة في بلادنا في سبيل الإسهام في جهود الحكومة المبذولة لإصلاح القطاع العام، تبنت الرؤية استراتيجية شاملة لإصلاح الإدارة المالية العامة باعتبارها تمثل ركنا مهما من أركان عملية إصلاح هذا القطاع الجاري تنفيذها في الوقت الحاضر.
مما تتناوله الاستراتيجية تحديث الهيكل المؤسسي لوزارة المالية وتطوير قدراتها البشرية وغير البشرية التي تكفل قيامها بأداء مهامها بكفاءة أعلى من جهة ولإدارة مبادرات إصلاح إدارة المال العام من جهة أخرى.
إننا نرى تحسنا ملحوظا في إدارة المالية الحكومية، نرى زيادة في قدراتها في رسم وتطبيق سياسة مالية عامة تعمل على توزيع / تخصيص allocate الموارد المالية بصورة تتصف بأنها متوازنة وقابلة للرسوخ sustainable، وتسهم بفاعلية في تحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستدامة بصورة أفضل من الماضي، في الوقت نفسه، فإن الجهات المسؤولة عن الميزانية إعدادا ومراجعة تعمل على زيادة مهارات موظفيها في التطورات المالية والاقتصادية المحلية والدولية، وظروف ونمو الاقتصاد المحلي والاقتصادات الدولية. كما أن السياسة المالية العامة تخطط وتنفذ بمزيد من التناغم مع السياسة النقدية.
ومما ركزت عليه الرؤية في السياسات العامة موضوع خفض عجز الميزانية. ذلك أن تركه أو نموه يعمل على تكوين دين عام كبير وعلى تآكل احتياطيات الدولة. وهذا مضر بالإنفاق على المدى البعيد، وخاصة الاستثماري العام.
خفض العجز وتغطية أي نمو في الإنفاق يستلزمان زيادة مساهمة الإيرادات العامة غير النفطية. ولمزيد توضيح، لا تصنف ضمن هذه الإيرادات حصيلة بيع أو تسييل أصول استثمارية مملوكة للدولة. أما الإيرادات النفطية فلم تعد المصدر شبه الوحيد لسد العجز. لدينا هدف تقليل الاعتماد على النفط، أي هدف تقليل فتنة النفط، وتبعا يتعارض مع سياسات تنويع وتعميق مصادر الدخل الوطني.