اتّسم حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد - يحفظه الله -، لمجلة ذا أتلانتيك الأميركية من خلال الحوار المطول الذي أجرته معه المجلة مؤخراً، بالشفافية والوضوح والصراحة المطلقة المعهودة عن سموه، هذا بالإضافة إلى وضع سموه النقاط على الحروف في أمور عدة، منها ما يتعلق بالمعتقدات الدينية وأخرى تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من الأمور، التي ارتبطت بما شهدته البلاد من حداثة حضارية مذهلة ونقلة نوعية غير مسبوقة خلال الخمس السنوات الماضية منذ انطلاقة رؤية المملكة المباركة "2030" في شهر أبريل من العام 2016.
في سياق حديثه للمجلة، أكد سموه أن هذا التقدم والتغيير الحضاري الذي تعيشه المملكة غير مستنسخ، كونه من صنع السعودية، ويعكس تراثها وطبيعتها الاجتماعية والثقافية، مستشهداً في ذلك بعدد من المشروعات العملاقة التي أعلنت المملكة عن إطلاقها في وقتٍ سابق، مثل مشروع مدينة العلا التراثي والثقافي، ومشروع الدرعية التاريخي، ومشروع القدية الترفيهي، ومشروع مدينة نيوم، وغيرها من المشروعات، التي سَعت المملكة من خلالها أن تتطور بناءً على ما لديها من مقومات تاريخية تستند إليها في طريقتها للتطوير، وبالتالي فهي لا تحاول أن تكون مثل دبي أو أميركا، كما أكد سموه أن المملكة تحاول من خلال استخدام الأموال التي تمتلكها بصندوق الاستثمارات العامة، وبميزانية الحكومة أن تكون مبدعة في مشروعاتها باعتمادها على ثقافتها وطبيعة كل منطقة ومدينة سعودية.
وفي مجال الديمقراطية السياسية، ونموذج الحكم الذي تنتهجه المملكة، أكد سموه أن جميع الدول في العالم قائمة على معتقدات، مستشهداً في ذلك بمثال النظام الأمريكي القائم على أساس المعتقدات التالية: الديمقراطية، والحرية، والاقتصاد الحر وغيرها، ويكون الشعب متحداً بناءً على هذه المعتقدات، وفي نفس الوقت تساءل سموه عن جدوى تلك الديمقراطيات، موضحاً أن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، والتي هي روحنا، وإذا تخلصنا منها فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار.
وأكد سموه في ذات الشأن أنه كيف يمكن وضع السعودية على المسار السليم، وليس المسار الخطأ، لأن الديمقراطية والأسواق الحرة والحرية قد تسلك المسار الخطأ، لذا فإننا في المملكة العربية السعودية، لن نقلل من أهمية معتقداتنا، لأنها تمثل روحنا، ضارباً مثلاً بالمسجد الحرام الذي يوجد بالسعودية، والذي لا يمكن لأحد أن يزيله، وبالتالي فإن بلادنا لديها مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه هذا المكان المقدس.
واختتم سموه حديثه عن المحاور السياسية بتأكيده أنه لا يستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاث مئة سنة، وبأنظمة قبلية وحضرية يصل عددها إلى الـ 1000، وكانت طيلة السنوات الماضية جزءاً من استمرار السعودية دولة ملكية.
وفي شأن مشروع رؤية المملكة 2030، أوضح ولي العهد، أن هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن يفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبداً، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله، سيما أن البعض لديهم مصالح في أن يرونا نفشل.
وفي المجال الاقتصادي، أكد سموه أن السعودية عضو في مجموعة العشرين، وهي الآن على وشك الوصول إلى المرتبة الـ17 بين دول مجموعة العشرين محرزة تقدماً من المرتبة العشرين قبل خمسة أعوام، وتطمح للوصول إلى مرتبة أعلى من المرتبة 15 بحلول "2030"، مستشهداً بهدف المملكة لنمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 5.9 %، ما يضعها من بين أسرع الدول نمواً في العالم، وخاصة أنها تستهدف نمو اقتصادها بشكلٍ كامل بنسبة تقارب 7 % في العام 2022.
وقد كان للجانب المتعلق بجهود المملكة لمكافحة الفساد، قسط وافر لحديث سموه للمجلة، حيث أكد سموه أن ما حدث في فندق الريتز كارلتون لم يكن اعتقال أشخاص، إنما كانت محاولة لإيقاف مشكلة ضخمة في السعودية، حيث في كل ميزانية كانت هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين، وبالتالي لن يكون لدي المملكة نمو بنسبة 5.6 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن تكون لديها زيادة 50 % من الاستثمار الأجنبي في السعودية بالعام 2021م، لو استمر الفساد، ولن يكون هناك وزراء أكفاء، ولا أشخاص بارزون في الحكومة ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم، ما لم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقاً قويماً ومشروعاً، وهذا لن يحدث طالما كان هناك فساد في السعودية.
أخلص القول: إن حديث سمو ولي العهد لمجلة ذا أتلانتيك الأميركية المشهورة، أوضح العديد من النقاط المهمة للغاية المرتبطة بسياسات المملكة الداخلية والخارجية وتعاملها مع العديد من القضايا والملفات، بأسلوب واضح غير منمق واضعاً النقاط على الحروف، وليس ذلك فحسب، بل إنه أزال اللبس المحتمل لدى البعض سواء بحسن أو سوء نية عن بلادنا العظيمة في أسلوب وطريقة إدارتها لشؤونها وأمورها؛ لتبقى السعودية دولة عظيمة حتى قيام الساعة، محققة بذلك مصلحة البلاد والعباد على حدٍ سواء.
نقلا عن الرياض