مصداقية الاستثمارات الخضراء

21/02/2022 0
د. عبدالله الردادي

تهدف الاستثمارات الخضراء إلى تحقيق الاستدامة، من خلال خلق أنشطة صديقة للبيئة دون الإخلال بالهدف الربحي لهذه الاستثمارات. وتعد المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) أحد أبرز المعايير المتبعة عالمياً في تحديد الأنشطة الاستثمارية الصديقة للبيئة المتوافقة مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى أهداف اتفاقية باريس المناخية التي أقرت بها 192 دولة عام 2015.

ويبدو الأمر في ظاهره منطقياً، فهذه المعايير تعطي المستثمرين فكرة عن مدى الاستدامة البيئية للشركات التي يستثمرون بها، ويبعث الرضى في نفوسهم عن كون أموالهم –إضافة إلى تحقيقها عوائد مجزية– لا تضر كوكب الأرض. ولذلك فقد تضاعف كمّ الاستثمار في الأصول الخضراء خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. وقد ضخ المستثمرون في الربع الأخير من العام الماضي وحده نحو 143 مليار دولار في الاستثمارات المستدامة، أي أكثر بـ12 في المائة من العام الذي سبقه. وبلغ بذلك حجم الأصول المستدامة نحو 2.7 تريليون دولار عالمياً في أكثر من 5900 صندوق استثماري، ثلاثة أرباعها تقع في أوروبا لوحدها.

ولكن هذه الزيادة المتسارعة في كم الأموال المتدفقة نحو هذا التوجه، لم يواكبها تطوير في اللوائح المنظّمة للاستثمارات الخضراء؛ لا سيما أنها حدثت خلال فترة قصيرة. نتيجة لذلك فقد أصبح من الصعب على الجهات الرقابية معرفة مصداقية مزاعم الشركات في استدامة هذه الاستثمارات. ولأن هذا التشكك دام فترة من الزمن، فقد قام مركز التفكير «إنفلونس ماب» بإصدار دراسة كشفت عن فضائح في الاستثمارات الخضراء. وأظهرت الدراسة في أغسطس (آب) الماضي أن 421 صندوقاً استثمارياً من أصل 593 صندوق، غير متوافق مع اتفاقية باريس المناخية. فإذا كانت اتفاقية باريس هي أحد أهم الدوافع للتغير نحو استثمارات خضراء، فكيف يكون الاستثمار غير المتوافق معها استثماراً أخضر؟ ووجدت الدراسة –إضافة إلى ذلك– أن 72 من أصل 130 صندوقَ تمويل مدعياً لصفة الاستدامة لا يتوافق مع اتفاقية باريس المناخية. كما وجد التقرير أن بنك «بي إن بي باريباس» الفرنسي يملك سندات في شركات مخالفة لمبادئ الاستدامة، واللافت أن شعار هذا البنك: «المستثمر المستدام لتغيير العالم».

هذه الفضائح كشفت أن الصناديق الاستثمارية والتمويلية استغلت موجة الاستثمارات الخضراء للتسويق لاستثماراتها، دون أن تكون خضراء أو مستدامة أو متوافقة مع أي معيار لذلك. وقد كان ذلك تبرير أحد مديري الصناديق الاستثمارية، فما يعده البعض استثماراً صديقاً للبيئة، لا يراه الآخرون كذلك. ولا يوجد حتى الآن أي إجراء قانوني يمكن اتخاذه لهذه الشركات، لكون تعريف «الاستثمارات الخضراء» تعريفاً عائماً لا يوجد له ضابط حتى الآن.

وقد قام عدد من الحكومات بإنشاء جهات رقابية، مثل لجنة الأوراق الأميركية التي شكلت فريقاً يركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. كما يقوم الاتحاد الأوروبي حالياً بإعداد تصنيف يزيد على 500 صفحة، لتحديد الاستثمارات والأصول المستدامة.

وحتى لو قام الاتحاد الأوروبي بإصدار هذا التصنيف، فقد لا يتبع عديد من الدول هذا التصنيف لأسباب كثيرة، منها أنه أُعد لبيئة الاستثمار الأوروبية دون غيرها، بما في ذلك طبيعة الاستثمارات الأوروبية. ولكن الأهم من ذلك أن آراء الأوروبيين في هذا الجانب تتغير بحسب مصالحهم. وحتى لا يكون هذا الاتهام جزافاً، يمكن الرجوع إلى حالة الطاقة النووية مع الأوروبيين. فالأوروبيون خلال السنوات الماضية كانوا لا يعدون الاستثمار في الطاقة النووية استثماراً مستداماً؛ لكونه ملوثاً للبيئة. ولكن بعد الضغط الفرنسي مؤخراً (والمدفوع بمصلحة فرنسا كونها تملك مصادر للطاقة للنووية) إضافة إلى أزمة الطاقة التي عصفت بأوروبا خلال الأشهر الأخيرة، اقترحت المفوضية الأوروبية تصنيف بعض المشروعات النووية على أنها خضراء، مع احتجاج بعض الدول مثل النمسا وألمانيا. ولكن القرار اتُّخذ فعلياً الشهر الماضي، واعتبر الاتحاد الأوروبي الطاقة النووية طاقة نظيفة، يمكن استخدامها للتحول نحو الحياد الصفري.

ويبدو أن هذا التغيير في تعريف الاستثمارات والأصول الخضراء، سيستمر مدفوعاً بعوامل عديدة، منها تحقيق الأرباح، وتعظيم الأصول بالنسبة للشركات الاستثمارية، والمدفوع بالمصالح وزيادة التنافسية والتحكم بالأسعار في الدول. ولذلك فسيكون من الصعب خلال الفترة القادمة التأكد من مصداقية الاستثمارات الخضراء؛ لا سيما مع كون هذا العامل عاملاً واحداً في تقييم الاستثمار، ضمن عوامل أكثر أهمية، مثل نسبة الأرباح والعوائد الاجتماعية، وغيرها من العوامل التي تهم المستثمرين على المدى القصير بشكل أكثر من غيرها.

 

نقلا عن الشرق الأوسط