سادة الفلوس والبنك المركزي

08/02/2022 2
فواز حمد الفواز

صدر كتاب جديد يحاكي الظروف المالية والنقدية الحالية عنوانه "سادة الفلوس السهلة .. كيف دمر البنك الفيدرالي الاقتصاد الأمريكي؟". The Lords of Easy Money- How the Fed broke the American Economy، للكاتب كريس لينورد Chris lenord.

نقطة البداية كانت في موقف توماس هوينج T. Hoeing الذي كان رئيس فرع البنك الفيدرالي في كانساس سيتي في 2010، الوحيد الذي صوت ضد التيسير الكمي في اللجنة التي تقرر السياسات النقدية أثناء رئاسة بن برنانكي. النقطة المفصلية في تجربة أمريكا الاقتصادية الحديثة كانت الأزمة المالية في 2007 - 2008، فترة لن نعيد الحديث عنها هنا، لكن التحول في السياسة النقدية بدأ بمحاولة التعامل مع تبعاتها، خاصة إفلاسها لكثير من الشركات المالية والمصارف، حيث بدأت الشرارة على أثر الرخاوة في التمويل العقاري، وتسنيد قروضه- قروض أصبحت مسمومة وساعدتها مؤسسات تصنيف مستفيدة.

برنانكي؛ رئيس الفيدرالي في حينه، اقتصادي عرف بتوثيقه تجربة أمريكا النقدية والاقتصادية في الكساد الكبير في نهاية العشرينيات من القرن الماضي. الدرس الذي تعلمه من التجربة أن الحاجة ماسة إلى سياسة تيسير كمي موسعة لإعادة هيكلة القطاع المالي وإنعاش الاقتصاد لمدة وحجم معتبرين كي لا نعيد تجربة الماضي.

اللافت ربما ليس توجه السياسة الجديدة لكن حجمها، إذ ارتفع المركز المالي للفيدرالي من 2.3 تريليون دولار في 2010 إلى سبعة تريليونات دولار في 2020، أموال وجدت طريقها من خلال 24 مصرفا مختارا لقيادة تعامل الفيدرالي مع المنظومة المالية. للمقارنة في خلال القرن الأول تقريبا من عمر الفيدرالي لم يصل مركزه إلى التريليون دولار، بينما ارتفع بنحو ستة تريليونات منذ الأزمة. في الاقتصاد والمال لا بد من توقع تبعات وتكيف مع الحالة الجديدة. الكتاب يناقش عدة زوايا، الأولى التأثير في توزيع المصالح في المجتمع الأمريكي. يذكر الكتاب أن أغنى 1 في المائة من الناس يملكون 40 في المائة من الأصول "العقارات والأسهم والسندات"، بينما 50 في المائة الأقل حظا يملكون 7 في المائة من الأصول. السبب أن سياسة انخفاض الفوائد والتوسع النقدي وجدت طريقها لرفع الأصول. الإشكالية أن السياسة النقدية لم تنعش الاقتصاد كما كان متوقعا، فالنمو لم يصل إلى درجة رفع الأجور للعامة، والإنتاجية لم ترتفع. تبعات وجدت طريقها إلى حالة تذمر اجتماعي - سياسي ونتجت عنها توجهات شعبوية أوصلت ترمب إلى الرئاسة. ربما وصلت السياسة النقدية إلى نهايتها المنطقية بوصول أسعار الأسهم إلى مستويات تقارن بالحالات التي سبقت الفقاعات، مثل نهاية التسعينيات وأسعار المنازل في 2007. أحد المظاهر المالية ظاهرة العملات الرقمية و"سباك" SPAC - قناة اعتبارية لتجاوز متطلبات الطرح الاعتيادي لاستغلال أسعار الأطروحات الأولية. الزاوية الأخرى مؤسساتية في دور الفيدرالي في منظومة القرار الأمريكي. فمن ناحية، طبقا للكتاب، لأسباب كثيرة لم يستطع السياسيون المحافظون أو الليبراليون الأخذ بنهج اقتصادي هادف، ولذلك وجدوا في سياسية الفيدرالي مهربا من اتخاذ القرارات الصعبة لمؤسسة غامضة، ويصعب فهم آلياتها للعامة وغير منتخبة. سياسة بدأت مع قرينسبان؛ لكن استمرت مع كل من خلفه إلى أن وصلت إلى نقطة انعطاف بوصول التضخم في الأسعار بعد أن استفحل التضخم في الأصول. وصول التضخم في الأسعار إلى مستوى 7 في المائة يبدأ تأثيره السلبي في العامة، لذلك هناك تغير في السياسة النقدية بدأ بإعلان توقف التيسير الكمي في آذار (مارس)، وإعلان نوايا برفع الفائدة ربما ثلاث مرات على مدى العام. هناك تلميحات حول تقليص المركز المالي للفيدرالي كخطوة بين التوقف عن التيسير الكمي ورفع الفائدة. لذلك هناك تذبذب مؤثر في أسعار الأسهم ربما يصل أسعار المنازل قريبا. لكن لعل السؤال: هل هناك مخرج حقيقي من إدمان الفلوس السهلة، خاصة في ظل التجاذبات الجيواستراتيجية؟ الرهان التقليدي أن يحاول الفيدرالي زحزحة الأمور لعودتها إلى نسب فائدة طبيعية ونمو اقتصادي معقول، وتفادي تأثير دور الثروة في التأثير على الحياة الاقتصادية. توازنات صعبة في أحسن الظروف.

 

نقللا عن الاقتصادية