الأثر العكسي لتضخم الأراضي على النمو والتوظيف

26/01/2022 2
عبد الحميد العمري

معلوم أن تضخم تضلا يسهم في نمو الاقتصاد ولا قطاعاته الإنتاجية، ولا في زيادة التوظيف والحد من نمو معدل البطالة، بل لقد تأكد أنه إذا استمرت أسعار الأراضي في الصعود إلى مستويات مرتفعة جدا، وضاقت دائرة المتعاملين بتلك الأصول على المستثمرين والمضاربين فقط، فقد تجدها بتضخمها ذلك قد تحولت من عدم المساهمة إلى الحد من النمو والتوظيف، وأصبحت أحد أسباب ارتفاع البطالة، ولهذا تفسيره البين واليسير الفهم، سبق إيضاحه سابقا في أكثر من مقام ومقال، وسيكون مفيدا إعادة إيضاحه هنا بطريقة أوضح وأدق.

تعد الأرض أحد أهم مدخلات الإنتاج في أي اقتصاد كان، التي تضاف إلى رأس المال واليد العاملة والعامل التقني لبدء أي مشروع، وبحال تفرغ رأس المال الباحث عن الربح لتدويره في الأرض شراء وبيعا، وحقق من الأرباح ما لم يكن في قدرة صاحبه على تحقيقه باستكماله مشروعه الاستثماري، الذي سيقتضي منه توظيف اليد العاملة واستخدام التقنية، وكلاهما سيستقطع من رأس المال بكل تأكيد، ولا شك أن صاحب رأس المال هنا قد اختار المسار الأكثر ربحية له، وحقق أعلى مما كان مخططا له لو أنه مضى في تأسيس وتنفيذ ذلك المشروع الاستثماري، لكن في المقابل سنجد أن الاقتصاد وبيئة الأعمال المحلية لم يستفيدا من وجود إحدى دعائم النمو المستدام، وأحد كيانات الإنتاج التي كانت ستوفر مئات أو آلاف الوظائف المجدية، وفقد أحد محركات الإنتاج التي سيكون لوجودها آثار إيجابية سينتج عنها مزيد من الفرص المجدية استثماريا لغيره من رؤوس الأموال الأقل.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب بل يمتد حتى إلى الكيانات الإنتاجية الموجودة خلال الفترة الراهنة، التي بارتفاع وتيرة نشاطات تدوير الأموال والثروات في الأراضي، والقفز بأسعارها سنويا وفترة وبعد فترة، فهذا سيؤدي بدوره إلى ارتفاع تكلفة إيجارات العقارات من مراكز ومكاتب ومحال ومخازن ومستودعات ... إلخ، وفي الوقت ذاته ستواجه تلك الكيانات الإنتاجية صعوبات أكبر على مستوى التدفقات الداخلة إليها، ما سيضيق بدوره من هوامش أرباح تلك الكيانات، فتضطر لمواجهة ارتفاع تكلفة التشغيل والإيجارات عليها من جانب، ومن جانب آخر انخفاض التدفقات النقدية الداخلة، إلى مزيد من عمليات الخفض على مستوى حجم العمالة لديها وعلى مستوى المواقع التي تستأجرها، وهما الأمران الذي سيؤديان في المحصلة النهائية للاقتصاد مع تكرار تلك الحالة إلى انكماش النمو الاقتصادي، وارتفاع أعداد العاطلين، وانخفاض معدلات التوظيف، عدا ما سيسهم به في عديد من الآثار العكسية على مستوى توظيف الثروات والأموال وتدوير رؤوس الأموال في الاقتصاد.

أمام تلك الأنماط من التوظيف غير الأمثل لرؤوس الأموال في الاقتصاد، لا بد من تأسيس سياسات كلية تستهدف العمل على إعادة توجيه ثروات ورؤوس الأموال نحو الفرص الاستثمارية المجدية، التي باستغلالها سيزداد النمو الاقتصادي، وتتوافر الفرص الواسعة لتأكيد استقراره واستدامته، ويزداد معه التوظيف وإيجاد مئات الآلاف سنويا من الوظائف المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة الباحثة عن عمل، وهذا لن يتأتى بكل تأكيد دون العمل على تضييق المنافذ المؤدية إلى انشغال رؤوس الأموال والثروات بالتدوير والمضاربة على أحد أهم عوامل الإنتاج الممثل في الأرض، ما يقتضي بدوره العمل أيضا بالتزامن مع السياسات الكلية المحفزة للاستثمار والإنتاج والتوظيف، أن يتم العمل على تنفيذ سياسات صارمة تحد من انخراط الأموال والثروات في المتاجرة والاستثمار فقط في الأراضي، وإعادتها لتكون بوضعها الطبيعي والمعتاد كأحد الأصول التي يتم توظيفها في خدمة احتياجات الاقتصاد والمجتمع، عوضا عن وضعها السابق المجرد من أي علاقة مع الاقتصاد واحتياجاته التنموية، بل قد تتحول إلى منطقة اجتذاب للثروات وتدويرها في مضاربات محمومة على أحد أهم الأصول، ومن ثم اجتذابها لأغلب المكاسب المتحققة للاقتصاد الوطني على المستويات كافة، وما قد يترتب عليه من ارتفاع حجم الديون عن كاهل بقية الأطراف المنتجة "حكومة، قطاع خاص، مجتمع"، إضافة إلى ما ستنعكس به تلك العمليات الكبيرة من تدوير الأموال والثروات في الأراضي من تضخم في أسعار السلع والمنتجات والخدمات، وما سيترتب عليه من ارتفاع مستمر لتكاليف الإنتاج والتشغيل وتكاليف المعيشة.

تتصاعد الأهمية الاستراتيجية لكل ما تقدم ذكره أمام ضخامة حجم التطلعات والمستهدفات التي يحملها اقتصادنا الوطني باتجاه 2030، التي قدر حجم الإنفاق عليها بأكثر من 27 تريليون ريال طوال العقد المقبل، وبما يستهدفه من الانتقال بمقدرات الاقتصاد الوطني من وضعه الراهن، والوقوف به ضمن دائرة أحد أهم وأقوى عشرة اقتصادات في العالم، وكأحد أكبر الشركاء التجاريين في منطقة الشرق الأوسط، وكاقتصاد متسارع النمو يضم بين جنباته قطاعا خاصا يستحوذ على أكثر من 60 في المائة الناتج المحلي الإجمالي، وأن تتوافر لهذا القطاع المنتج القدرة على توفير أكثر من أربعة ملايين وظيفة أمام الموارد البشرية المواطنة عالية التأهيل، ولأجل هذا وغيره من الحيثيات بالغة الأهمية الأخرى، لا بد من تكامل السياسات والبرامج الاقتصادية تحت مظلة رؤية المملكة 2030 بصورة أسرع على طريق تحقيق هذه المستهدفات العملاقة والمشروعة، وهو الأمر الذي لا بد لتحقيقه كما نأمل جميعا من أن يتم تجاوز هذا المعوق التنموي المشار إليه، ويجب أن يتم تحفيز رؤوس الأموال والثروات نحو الاستثمار في الفرص الاستثمارية الواعدة التي وفرتها الدولة، والانتفاع بما سينتج عنها من نمو اقتصادي مستدام، ونمو مماثل على مستوى مئات الآلاف من الوظائف، والنأي بتلك الموارد المالية من ثروات وأموال بأكبر قدر ممكن عن الانشغال بمجرد تدويرها في الأراضي شراء وبيعا ودون أي عوائد على الاقتصاد والمجتمع، بل إنها لم تقدم إلا عكس ما هو مأمول منها كما سبق إيضاحه.

 

نقلا عن الاقتصادية