انتهى الجزء الثاني السابق إلى أن مسار السوق العقارية خلال العام الجاري، سيكون مشابها إلى حد كبير لمسارها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، باشتراط عدم حدوث أي تغيرات جذرية على أهم وأبرز العوامل التي دفعتها إلى الارتفاع، خاصة على مستوى الأسعار، على رأس تلك العوامل المؤثرة في أداء السوق العقارية استمرار نمو الائتمان العقاري، واستمرار وتيرة الاستثمار في الأراضي والمضاربة عليها، إضافة إلى استمرار المرونة العالية في تنفيذ الرسوم على الأراضي البيضاء. لكن، ماذا إذا لم تستمر تلك العوامل على وتيرتها نفسها؟ مع التأكيد أنها يغذي بعضها بعضا كما أظهرته تعاملات السوق طوال الثلاثة أعوام الماضية.
أظهرت معدلات الفائدة القصيرة الأجل - ثلاثة أشهر - عودتها إلى الارتفاع مجددا بدءا من آب (أغسطس) 2022، ووصلت نسبة ارتفاعها حتى منتصف الشهر الجاري إلى نحو 17 في المائة "0.9229"، مقارنة بأدنى مستوى لها انخفضت إليه في حزيران (يونيو) 2020 عند "0.7920"، وتباطؤ النمو السنوي للودائع البنكية من 11.1 في المائة خلال تموز (يوليو) 2020 إلى 7.1 في المائة بنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وجاءت وتيرة التباطؤ أكبر على مستوى الودائع تحت الطلب التي تراجع نموها السنوي من 17 إلى 6.2 في المائة بنهاية الفترة نفسها، كما انخفض حجم القروض العقارية الجديدة للأفراد من أعلى مستوى وصلت إليه خلال الربع الأول 2021 البالغ 48 مليار ريال إلى نحو 36 مليار ريال خلال الربع الأخير، وكان قد انخفض إلى نحو 31 مليار ريال خلال الربع الثاني من العام نفسه.
كما يبدو من المسار المتباطئ لمؤشرات الأداء النقدي والائتماني طوال الأشهر القليلة الماضية، وتحت أوضاع ارتفاع معدلات الفائدة التي يبدو أنها ستستمر في الارتفاع طوال العام الجاري، قياسا على تصريحات البنوك المركزية حول العالم، إضافة إلى بدء تنفيذ المرحلة الثانية من الرسوم على الأراضي البيضاء في الرياض بحلول منتصف العام الجاري، وإزاء المستويات المرتفعة لأسعار الأراضي والعقارات التي وصلت إليها خلال الربع الثالث تحديدا من 2021، وسجلت تراجعا ربعيا خلال الربع الرابع من العام نفسه بنسب راوحت بين 2.5 و6.2 في المائة. أمام هذه المتغيرات الأساسية وغيرها ذات العلاقة، سيكون المجال مفتوحا أمام توقعات مخالفة في مسارها لما حدث طوال الثلاثة أعوام الماضية، وأن تشهد الأسعار في السوق العقارية موجة تصحيح صحية وإيجابية، سيسهم حدوثها في خفض معدلات المخاطرة الراهنة على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، وهو الأمر المأمول بكل تأكيد لما سينعكس به من آثار إيجابية على سرعة نمو الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص، وانخفاض تكلفة تملك المساكن للأفراد، وبدوره انخفاض حجم التمويل اللازم، وتقليص الأعباء المادية لسداده على كاهل الأفراد المستفيدين، وتحسين مستويات المعيشة بالنسبة لهم، الذي ستصب نتائجه الإيجابية على ارتفاع إنفاقهم الاستهلاكي، ويحسن أيضا من قدرتهم الادخارية.
وبغض النظر عن أي مسار ستتجه خلاله السوق العقارية خلال العام الجاري صعودا أو هبوطا، لا بد من تأكيد أهمية عديد من الإجراءات والتدابير اللازم اتخاذها خلال الفترة الراهنة، والعمل على تنفيذها بما يلبي احتياجات الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، ويسهم في خفض مستوى الأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية التي وصلت إليها، ويخفض بدوره من درجات المخاطرة المرتبطة بها على مستوى بقية القطاعات.
من أهم تلك الإجراءات والتدابير، التي ينصح باتخاذها أولا: أن يعمل البنك المركزي السعودي إعادة ضبط آلية حصول الأفراد على القروض بأنواعها كافة، والقروض العقارية خصوصا، حيث لا تتجاوز نسبة استقطاعها الشهري سقف 33 في المائة من الدخل الشهري للمستفيد، وهو المعمول به لدى أغلب البنوك المركزية حول العالم، وهي أيضا المنهجية المثالية التي تكفل خفض معدلات المخاطرة على القطاع التمويلي، وفي الوقت ذاته تكفل عدم دخول المقترضين تحت ضغوط معيشية تفوق قدرتهم، إضافة إلى أنها تكفل بما تبقى من دخولهم إمكانية مساهمتهم في دعم الطلب الاستهلاكي المحلي بالقدر الكافي، الذي سينعكس مردوده الإيجابي على القطاع الخاص، ويمكنه من تحسين أدائه، ومن ثم زيادة قدرته على المساهمة المأمولة في تحفيز النمو الاقتصادي، إضافة إلى تحسين قدرته على إيجاد مزيد من الوظائف المجدية أمام عشرات الآلاف من طالبي العمل من الموارد البشرية المواطنة، والمساهمة في خفض أسرع لمعدل البطالة.
ثانيا: أن تسرع وزارة البلدية والإسكان من وتيرة تنفيذ المراحل التنفيذية للرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، والعمل على تحقيق مزيد من فاعلية منهجية تحصيل الرسوم على الأراضي، بالاعتماد على تقييم أسعار الأراضي محل التكليف بالأسعار السوقية الجارية، والابتعاد عن منهجية تقييمها بالآلية الراهنة البعيدة عن أسعار السوق، وما تسببت فيه من إضعاف لتأثير نظام الرسوم على الأراضي طوال الأعوام الماضية، على عكس المستهدفات الرئيسة للنظام.
ثالثا: وفقا لما هو متوقع كنتيجة للتوصية الثانية أعلاه، وتوقع ارتفاع متحصلات الرسوم على الأراضي البيضاء بعد معالجة أوجه القصور المذكورة، يمكن العمل على رفع حجم الدعم السكني الممنوح للمستفيدين السابقين من برنامج سكني، وتمويل تلك الزيادة في الدعم من تلك المتحصلات الناتجة عن الرسوم على الأراضي البيضاء. ويستهدف هذا الإجراء خفض الاستقطاع الشهري من المستفيدين السابقين إلى 33 في المائة وما دونها من دخولهم الشهرية، التي ستسهم بدورها في تحسين أوضاعهم المعيشية بصورة كبيرة، وتسهم أيضا في معالجة أوضاع كثير منهم، خاصة من انخفض دخله الشهري بعد تقاعده عن العمل، وهي أحد أبرز التحديات التي بدأت تظهر على السطح خلال الأشهر الأخيرة، وأصبحت أحد عناوين الإعلام المحلي المقروء والمشاهد والمسموع، وهو الإجراء الذي يمكن تحقيقه دون أي أعباء إضافية على كاهل الميزانية العامة.
نقلا عن الاقتصادية