التوسع في تقنية التواصل زاد من التباعد والتقارب في آن واحد من خلال غرف الدردشة وسبل التواصل الأخرى، ما يعظم سرعة انتشار الإشاعات والتفكير والاندفاع الجماعي دون التزام بأي مسؤولية، بل ربما من خلال أسماء مستعارة. ومع هذا يقال إن الفقاعات لا تحدث عفويا، بل تقاد من قبل مروجين وجمهور وصحافة، فلكل فقاعة أبطال وأسماء معروفة في حينها، لعل كثيرين ما زالوا يتذكرون مشاهير الأسهم قبل انفجار فقاعة الأسهم في 2006 والنهاية المؤسفة للبعض. كل فقاعة جديدة تجذب أناسا جددا من طبقات مختلفة في المجتمع. وتزداد أعداد المشاركين على المطلق وكنسبة من السكان. فمثلا، في أمريكا كان هناك مليونا مستثمر ومضارب في الأسهم في العشرينيات، لكن هذا الرقم أصبح 75 مليونا في فقاعة الإنترنت في نهاية التسعينيات. ومنذ أن أعيد افتتاح سوق الأسهم في الصين في التسعينيات شهدت فقاعتين في 2005 - 2007 و2014 - 2015، وصاحب ذلك زيادة في الإقبال، إذ تم فتح 30 مليون حساب استثماري في 2015. حجم التداول لدينا ارتفع كثيرا واستقر على مستوى عال مقارنة بالماضي.
ربما لافت في التجارب ما يذكر أن الحكومات أحيانا تشجع على الفقاعات، فمثلا شجعت الحكومات البريطانية والفرنسية في فقاعات شركة البحار الجنوبية والمسيسبي، بسبب رغبتهم في استبدال الأسهم مرتفعة الأسعار مقابل الديون العامة. كما أن بعض السياسيين يرون في ارتفاع أسعار الأسهم دليل وتصويت على نجاح سياساتهم الاقتصادية والمالية. كان الرئيس ترمب يغرد بأرقام المؤشر ويحث البنك الفيدرالي على خفض الفائدة كي ترتفع السوق. للإعلام المالي أيضا مصلحة في جذب الدعاية حين يقبل الجمهور على متابعة الأسواق، كما رأينا من ظاهرة القنوات المالية، أصبح هناك نجوم إعلاميون ومحللون همهم الأول رفع مستويات الأسهم بالمقبول وغير المقبول.
التحليل الاقتصادي الحديث يقود إلى مركزية العقلانية، خاصة نظرية يوجين فاما أحد عرابي المالية الحديثة التي تراهن على فاعلية الأسواق، حيث تعكس الأسعار كل المعلومات المتوافرة عن الشركة، فاما لم يكن مرتاحا فكريا مع الفقاعات لأنها لا تتماشى مع فاعلية الأسواق. العقلانية لا تفيد كثيرا في تفسير ظاهرة الفقاعات. الإشكالية أنه في تقييم الأسواق المالية يصبح الرأي العقلاني جدليا حسب تفضيل الاقتصادي. فمديرو المحافظ يخشون أن أداءهم مهدد وبالتالي يخسرون عملاء من جراء اتباع العقلانية على الأقل في المدى القصير، وبالتالي يلجأون لمجاراة الآخرون. هذه الملاحظة ليست جديدة فقط ذكرها كينز في كتابة النظرية العامة حين قال، إن أغلب مديري المحافظ غير مهتمين بالعائد المتفوق في المدى البعيد لكن بتقييم مقبول للعامة يحكمه عائد قصير الأجل. تصرفات في مجملها تجعل الأسواق أقل استقرارا. هناك مثلث للفقاعات أضلاعه التسويق والمضاربة والقروض. التسويق دور المؤسسات المالية في ترويج الأوراق المالية، المضاربات تعني رغبة المضارب في الشراء بغرض البيع السريع لتحقيق مكسب دون النظر لأي تقييم أساسي أو التملك في المدى البعيد، والضلع الثالث في توافر الإقراض بنسب فائدة منخفضة، فالفرص السهلة تزيد من المضاربات، ويقود حتما إلى ضغط الشراء والبيع السريع ما يجعل الأسواق أكثر تذبذبا وبالتالي عرضة لنزول حاد يخسر العامة. نسب الفائدة المنخفضة تشجع على وجود الأرض الخصبة للفقاعات دائما وغالبا كل فقاعة سبقتها نسب فائدة منخفضة. ربما المتاجرة والمضاربة وجدت أرضية خصبة في عقلية العربي ذات النزعة التجارية.
شهدت الأسواق تذبذبا مؤثرا بعد تغير خطابات البنوك المركزية حول مستوى التضخم وبالتالي حول تقليل التيسير الكمي ومن ثم خفض نسبة الفائدة. الاختبار المقبل في آذار (مارس) من هذا العام مع نهاية التيسير الكمي حين تتهيأ الأسواق لرفع الفائدة أو ربما قبل إذا قبلنا نظرية فاما في فاعلية الأسواق في خصم المعلومات المتوافرة.
نقلا عن الاقتصادية