العلاقة بين القانون والاقتصاد

03/01/2022 0
د.صالح السلطان

دراسة القانون تتخذ منهجا مختلفا عما يتخذ في دراسة الاقتصاد. الأنظمة تعتمد ضمن ما تعتمد على الشرح اللفظي والمعنى اللغوي والشرعي دون حاجة إلى أدوات كمية. وطبعا الكلام نفسه ينطبق على دراسة الشريعة الغراء. بينما يعتمد علم الاقتصاد خاصة في مرحلة الدراسات العليا على الإحصاء والرياضيات، ولذا ليس غريبا رؤية عدد كبير من طلبة الدراسات العليا في الاقتصاد في الجامعات الغربية وجامعات دول أخرى كثيرة ممن حصلوا على درجة البكالوريوس من أقسام الرياضيات والإحصاء.

من أسس قيام علم الاقتصاد قبل 200 عام تقريبا مناقشة الآثار الاقتصادية للتشريعات، خاصة المتصلة مباشرة بالاقتصاد. ثم جرت المحاولات منذ القرن الماضي لتطبيق التحليلات الاقتصادية على أنشطة ليست ذات طبيعة سوقية. بتعبير آخر، يستفاد من المبادئ والقواعد والمفاهيم الاقتصادية عامة في تبيين آثار القوانين والأنظمة والتنظيمات. وتبعا يستفاد من علم الاقتصاد في تقييم القواعد والاتجاهات القانونية سواء القائمة أو المستقبلية.

الاستفادة تأخذ أكثر من طريق. فهناك تحليل اقتصادي على قانون وله تطبيقات. وهناك تحليل مؤسسي للقانون. والنتائج من عدة جوانب واتجاهات.

القانون والاقتصاد الإيجابي والمعياري:

ينقسم التحليل الاقتصادي للقانون عادة إلى إيجابي ومعياري. الإيجابي النظر للشيء كما هو. والمعياري كما يرغب أن يكون. من شأن التحليل الاقتصادي الإيجابي لقانون الضرر أن يتنبأ بآثار قاعدة المسؤولية الصارمة بدلا من تأثيرات قاعدة الإهمال.

القانون المعياري والاقتصاد:

يخطو القانون المعياري والاقتصاد خطوة أخرى إلى الأمام ويقدم توصيات بشأن السياسة بناء على العواقب الاقتصادية للسياسات المختلفة. المفهوم الرئيس للتحليل الاقتصادي المعياري هو الكفاءة، خصوصا، الكفاءة التخصيصية.

المفهوم الشائع للكفاءة الذي يستخدمه علماء القانون والاقتصاد هو كفاءة باريتو. تعد القاعدة القانونية فعالة إذا لم يكن من الممكن تغييرها لجعل شخص أفضل حالا دون جعل شخص آخر أسوأ حالا. ومع ذلك، فإن إمكانية التمييز الواضح بين التحليل الإيجابي والمعياري موضع تساؤل من قبل كثيرين. وفي هذا أشار Guido Calabresi في كتابه عن "مستقبل القانون والاقتصاد" The Future of Law and Economics إلى وجود أحكام قيمية تستند إلى قدر كبير من التحليل الاقتصادي.

يرى البعض أن من الشائع في القانون والاقتصاد البحث عن القانون الذي سيؤدي إلى النتيجة المثلى، وتوفير الحجم الأقصى، والتفكير في تعظيم السعادة بدلا من تقليل الألم. وهناك من ينهج نهجا آخر: نحن لا نحاول تحديد ما يؤدي إلى النتائج المثلى لكن ما يمنع الوصول إلى نتائج غير عادلة.

من أهم ما يمكن من خلاله تقييم مستوى اقتصاد ما، هو مدى جودة وقوة قوانين ذلك الاقتصاد، إذ لا يمكن لرجال الاقتصاد أن يحققوا التنمية المستدامة خصوصا النمو الاقتصادي دون أن يترجموا أهدافهم وخططهم الاقتصادية على شكل قوانين ولوائح تنفيذية تتوافق مع تلك الأهداف. الأمر الذي يعكس مدى تطور ودقة تلك الأهداف ويختبرها أيضا.

على سبيل المثال: تحديد مستوى المخاطرة التجارية في أي بلد هو النظر إلى مدى جودة وشفافية قوانين ذلك البلد أولا، ثم مدى الالتزام بتطبيق تلك القوانين ثانيا.

وتبعا، من المهم ومما يفيده علم الاقتصاد في عمليات ومناقشات إصلاح الأنظمة وتحديثها لتتواكب مع الرؤى الاقتصادية الأفضل للناس على المدى البعيد خاصة. أفضل في توليد الوظائف وتحقيق نمو اقتصادي مستمر.

مما قامت عليه رؤية 2030 تحديث ووضع مزيد من الأنظمة المتطورة، خاصة في الجوانب التجارية والاستثمارية والمهنية. يصعب بناء اقتصاد متطور تنافسي دون تحديث وتطوير الأنظمة التي يستند إليها. ولا شك أن هذا التحديث تطلب فهما اقتصاديا عميقا.

من النقاشات السابقة، قد يطرح السؤال التالي: ما مدى أهمية تدريس أسس علمية اقتصادية لطلاب الشريعة والقانون ومن في حكمهم؟

مهم على الأقل للبعض. ذلك أن من الصعب دراسة القانون وتبعا ما يبنى من قوانين وتشريعات بمعزل عن فهم البعد أو الإطار الاقتصادي الذي يحيط بها. فإذا كان القانون في معناه يتضمن القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد، أي: القانون الخاص أو بين الدولة وغيرها أي القانون العام، فإن من بين أهم تلك العلاقات الاقتصادية "مباشرة وغير مباشرة". وهنا نتساءل: كيف ينظم علاقات اقتصادية وهو لا يعلم ماهيتها؟

للقواعد القانونية أبعادها الاقتصادية: فعلى سبيل المثال، قبل إصدار قانون يتضمن اختيارات، فسيثار تساؤل عن البعد الاقتصادي في عملية وأبعاد الاختيار، وأيهما أفضل من الناحية الاقتصادية؟ أي دراسة التكلفة والعائد الاقتصادي للاختيارات المطروحة.

أخيرا هناك علاقة مع تخصصات أخرى كالسياسة والاجتماع. نظرا للتداخل بين الاقتصاد والنظم القانونية والسياسية والبنية والعادات الاجتماعية.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية