شد انتباهي مقال للأستاذ موفق النويصر، رئيس تحرير صحيفة مكة، بعنوان: فحش الأسعار.. من المسؤول وكيف ينتهي؟ والذي نشر بالصحيفة بتاريخ 25 ديسمبر 2021 وأبدى فيه الكاتب امتعاضه من مقارنة نشرت عبر إعلان ترويجي تم تداوله عبر أحد جروبات الواتس أب، من باب التندر والسخرية، عن رحلة بحرية لجزر منطقة جازان بـ 27 ألف ريال لأربعة أشخاص و5 أيام، وأخرى لجزر المالديف بـ 8900 ريال شاملة الإقامة والطيران لنفس العدد والأيام.
وتساءل الكاتب أيضاً في مقاله عن المعايير التي وضعت لاعتماد هذا السعر؟ وهل من أقره مطلع على أسعار البرامج السياحية في الدول التي تمتلك مقومات سياحية أفضل؟ وأخيراً تساءل عن لماذا أسعار معظم الأشياء والخدمات لدينا أغلى مما هي عليه في الدول الأخرى؟
ووضع سؤالاً آخر يحمل في طياته صيغة مبالغة غير واقعية من وجهة نظره، عن تجارب نعيشها جميعاً بشكل يومي ونحن نتسوق إلكترونياً وواقعياً، ونتنقل بين مستشفياتنا وبنوكنا، حيث نلمس الفرق الشاسع بين أسعارنا وأسعار الآخرين.
واستطرد في مقاله بالاستشهاد بعدد من الأمثلة المرتبطة بارتفاع أسعار السلع والخدمات في بلادنا مقارنة بالخارج، كأسعار قطاع السيارات، والشاليهات والفنادق والشقق الفندقية، حيث إن هناك مبالغة في الأسعار تقترن برداءة الخدمة وضعف التجهيزات، للدرجة التي تجعلك تتساءل؛ هل أنا مستأجر في منهاتن أو باريس أم في إحدى شقق أبها والوجه؟
ويختم الكاتب مقاله متسائلاً عن مشكلة لا يفهمها ولم يجد لها حلاً، وهي هل ما يحدث لدينا طبيعي، أم أننا متوهمون؟ وهل أسواقنا منضبطة أم منفلتة؟ وهل فحش الأسعار سببه جشع التجار، أم غياب الرقابة، أم مفهوم «السوق الحر» القائم على العرض والطلب؟ وقبل ذلك، هل مصطلح «السوق الحر» حقيقة اقتصادية أم كذبة ابتدعها المتنفذون لاستغلال البسطاء؟
وإن كنت لا أبرر بتاتاً ارتفاع أسعار السياحة والترفيه في بلادنا، ولكن لربما أعزيها لعدة أسباب، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع تكلفة الإنشاء والتشغيل مقارنة بدول أخرى، سيما ونحن في المملكة في بداية المشوار السياحي مقارنة بمن سبقونا من بلدان العالم، التي إما أن شركاتها ومؤسساتها السياحية قد وصلت لنقطة التعادل بالنسبة للتكاليف والإيرادات، أو أنها قد اسَتهلكت معظم تكاليف التأسيس والإنشاء، بما في ذلك الأصول الثابتة، مما يمكنها من تبني نماذج وعروض أسعار منافسة ومناسبة لجميع مستويات الدخول. وقد يكون ارتفاع الأسعار أيضاً بسبب أن بعض المنشآت والوجهات السياحية تُعاني من مشكلة الموسمية وعدم استمرار خدماتها على مدار العام أو ما يعرف بمشكلة عدم الديمومة والاستدامة التشغيلية، وبالتالي فهي تحاول جاهدة بأن تعوض عوائدها من خلال رفع أسعارها لتعويض الإيرادات المفقودة خلال فترات عدم التشغيل.
ولربما من وجهة نظري هناك سبب آخر يرتبط بالطلب والعرض على الأماكن والوجهات السياحية في بلادنا، فبطبيعة الحال زيادة الطلب وتهافت السائحين على الأماكن السياحية وتدفقهم بأعداد كبيرة في وقتٍ واحد في ظل محدوديتها، سيؤدي بطبيعة الحال لا محالة إلى رفع الأسعار بسبب قلة المعروض وزيادة الطلب.
برأيي أن الحلول لارتفاع أسعار الأماكن والوجهات السياحية في بلادنا، هو خلق المنافسة بين الجهات السياحية، والذي لا يمكن له أن يتم سوى من خلال مضاعفة أعداد الوجهات والأماكن السياحية في بلادنا وتنويعها بما يتناسب مع مستوى دخول السائحين، وبالذات من ذوي متوسطي الدخول والدخول الضعيفة بما في ذلك محدودي الدخل، والذي بدروه سيكون له أثر ومردود كبير ليس فقط على تطوير السياحة لدينا، وإنما أيضاً على انخفاض الأسعار وجعلها في متناول الجميع بمختلف مستويات دخولهم.
وبكل تأكيد للرقابة على الأسعار، دور مهم في ضبط أسعار الخدمات السياحية لدينا للتغلب على حالات الاحتكار والجشع والمغالاة.
ولعلي أقترح على وزارة السياحة والهيئة العامة للترفيه إلزام الوجهات السياحية وأماكن الترفيه بنشر أسعار الخدمات السياحية والأنشطة الترفيهية بوضوح ووضعها في مكانٍ بارز أسوة بما يفعله البنك المركزي السعودي (ساما) بإلزامه للبنوك بنشر أسعار الخدمات في مكان بارز وواضح بالفرع، وبهذا يكون السائح مطمئناً بسلامة الأسعار من جهة وقادر على المقارنة بين الأسعار من جهة أخرى لاختيار الأفضل من بينها، مما سيجنبه من أن يكون عرضة لا سمح الله للغش أو الاستغلال أو الخداع، وبذلك تكون السياحة في بلادنا جاذبة وليس طاردة للسائحين المحليين والأجانب على حدٍ سواء.
أخيراً وليس آخراً، لعلي أنادي بتفعيل مفهوم السياحة الاقتصادية التي تعتمد على الباقات والخصومات في مواسم معينة، كما أنني أناشد السائحين بالتخطيط المسبق لرحلاتهم السياحية وعدم اتخاذ قرارات سياحية ارتجالية وفي آخر لحظة، لأنها عادة ما تكون مكلفة وغير مجدية اقتصادياً وكذلك عدم الاقتراض لتمويل رحلة سياحية وأيضاً جدولة الرحلة السياحية والترتيب لها بشكل منطقي ومعقول وموزون لا يتسبب في إرهاق كاهل الأسرة مادياً ويؤثر سلباً على دخولها.
ولعلي أختم مقالي بهمسة سريعة للكاتب القدير بالتأكيد له على أن أسعار الخدمات البنكية في بلادنا تُعد من بين أقل أسعار الخدمات على مستوى العالم إن لم تكن أقلها، وبالذات الخدمات الإلكترونية، حيث توجد نحو 19 خدمة تقدم لعملاء البنوك بلا مقابل، كما أن ساما قد حددت الأسعار القصوى للخدمات المقدمة للعملاء، والتي لا يمكن للبنك أو المصرف تجاوزها بأي حال من الأحوال.
نقلا عن الرياض