عرفت السعودية في مجال الطاقة الهيدروكربونية بأنها من أكبر ثلاثة منتجين وأكبر مصدر للنفط، لكن التقدم الثاني لهذا القطاع الغاز لم يتلق هذه السمعة العالمية لأن المملكة اختارت خيارا استراتيجيا قديما وواضحا بتوظيف الغاز في الاقتصاد الوطني، وليس التصدير، رغم أن لديها ثالث احتياطي من الغاز في الخليج، والثاني في "أوبك". منظومة الغاز Master Gas System التي بدأت في السبعينيات بعد أن كان يحرق أغلب الغاز المصاحب، وكانت نقلة نوعية اعتقد كثير من المراقبين في الغرب أن المملكة لن تتمكن من تحقيق أهدافها بسبب طموح الخطط، لكنها استطاعت بكفاءة تحويل الغاز إلى صناعات بتروكيميائية ومدن صناعية جديدة، وتوظيف الغاز في منافع لن نعيد تفاصيلها هنا.
نمو السعودية الاقتصادي كان أسرع من إنتاج الغاز، ولم تختر الاستيراد، ولذلك وظفت المملكة النفط الخام الأعلى سعرا لإنتاج الكهرباء والماء. لذلك جاء حوض الجافورة كنقلة نوعية على عدة أصعدة. دشن وزير الطاقة إعلان خطة أرامكو لتطوير الحوض.
حجم الاستثمار ونوعية التجربة والإنتاج المستهدف تجعل الحوض بمنزلة تأسيس أرامكو غازية جديدة. نستخدم حوضا وليس حقلا لأن المساحة ضخمة يصل طولها إلى 170 كيلومترا وعرضها 100 كيلومتر، ولذلك سيكون هناك عدد كبير من الحقول، خاصة أن الغاز يعد غير تقليدي، وبالتالي ستتعدد الحقول قياسا على تجارب الحقول غير التقليدية عالميا.
ويحتوي الحوض على احتياطيات غاز تبلغ 200 تريليون قدم مكعب غاز، ويستهدف إنتاج ملياري قدم مكعب في 2030، وإنتاج 600 ألف برميل من السوائل ورفع إنتاج الميثان 40 في المائة عن مستواه الحالي في 2030. يبدأ الإنتاج 2025 واستثمارات تبلغ 100 مليار دولار، العقود الأولية الموقعة تبلغ عشرة مليارات دولار. وتقدر إضافة المشروع للدخل الاجمالي الوطني 75 مليار ريال.
مشروع بهذا الحجم على المدى القريب لا بد أن تتغير فيه الأرقام، لكن المهم الأبعاد الاستراتيجية. هناك عدة نقاط في هذا الشأن، منها حجم الاستثمارات داخل الوطن، واستثمارات يستفيد منها قطاعات صناعية وخدمية، وبالتالي لها عامل مضاعف يصل للكل، كذلك سيسهم في إيجاد 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة طبقا لأرامكو، والتكامل مع خطة المملكة في توليد الكهرباء مناصفة بين الطاقة المتجددة والغاز في 2030، ولذلك هناك حاجة إلى إنتاج غاز إضافي لتوليد الكهرباء وتنقية المياه. كذلك هناك بعد استراتيجي يتجلى في الفرصة البديلة بتصدير نفط إضافي يصل نحو مليون برميل يستخدم الآن في إنتاج الكهرباء والماء، ولذلك لا بد من تقدير فرصة تصدير هذه الكمية من النفط في الحسابات الاقتصادية لهذا المشروع. كذلك هناك ميزة في تحول منظومة الطاقة بيئيا للوصول إلى أهداف المملكة والتزاماتها، كذلك سيصل الغاز إلى مناطق جديدة، مثل الخرج وجازان والقصيم وسدير والشعيبة. مشروع جبار بكل المقاييس العالمية، فمثلا تصل الاستثمارات الرأسمالية السنوية لشركة إكسون موبيل؛ أكبر شركة أمريكية 15 مليار دولار سنويا بداية من 2022 حتى 2025، بينما تعتزم أرامكو استثمار عشرة مليارات دولار سنويا لهذا المشروع الاستثماري وحده. لذلك هناك رغبة وطنية في الاستثمار الرأسمالي الوطني، وتطوير القطاع، وتحول منظومة الطاقة، وإعداد الاقتصاد الوطني للمستقبل.
نقلا عن الاقتصادية