من المؤكد أنه لا وجه للمقارنة بينهما، فالنفط سلعة وفيسبوك خدمة حديثة من قطاع التواصل الاجتماعي، لكن بكل تأكيد هناك تباين في أهمية كل واحد منهما للمستهلك وللمجتمعات عموماً وصحيح أن فيسبوك التي غيرت اسمها لميتا، هي شركة ينطبق عليها معايير التحليل لأسواق الأسهم كمكرر الربح ونسبة التوزيعات وغير ذلك وأن النفط سلعة إستراتيجية لا يقاس عليها تحليل الشركات، لكن مقياس الأهمية والتأثير هو ما يمكن الحديث عنه خصوصاً بعد جملة من التصريحات الغربية وخصوصاً من الولايات المتحدة الأمريكية حول أن ارتفاع التضخم نابع بنسبة ما من أسعار النفط التي تخطت 80 دولاراً، حيث يرون أن الحل لخفض أسعار البنزين بضخ المزيد من النفط الخام لخفض سعره وهو ما ترفضه الدول المنتجة في تفاهم أوبك +، حيث تقول إن الإمدادات كافية، بل قد نكون مقبلين على فائض بالعرض قريباً لأنها ترى بعين المستثمر الإستراتيجي الذي انفق تريليونات الدولارات على صناعة يتقنها وتعد هي أهم مفاتيح اقتصاداتهم، بينما ساسة الغرب يبدو أنهم يحاولون توظيف تحميل ارتفاع التضخم على منتجي النفط، بينما سببه نتيجة عوامل عديدة من بينها بعض السياسات الخاطئة لديهم في إدارة الاقتصاد، إضافة لمشكلات سلاسل التوريد بسبب جائحة كورونا أي أنها محاولات كسب أصوات الناخبين وإيجاد شماعة لأخطائهم حتى لو كانت تسيء لعلاقاتهم الدولية، فالعالم الغربي مبتلى ببعض الساسة الدين باتوا يركزون على المكاسب الضيقة على حساب مصالح وعلاقات دولهم الإستراتيجية، فالرئيس الأمريكي بايدن الذي طالب «أوبك +» بزيادة الضخ لخفض الأسعار هو نفسه أكَّد بمذكرة أرسلها قبل أيام لوزارة الخارجية أن إمدادات النفط كافية لتقليل الكميات المشتراة من إيران، حيث يقوم البيت الأبيض بالتأكيد كل ستة أشهر على حالة إمدادات النفط عالمياً من حيث كفايتها للاستمرار بفرض العقوبات على إيران التي وضعت عام 2012 في فترة رئاسة أوباما.
وبالعودة للمقارنة من حيث الأهمية فقد تعطل موقع فيسبوك وكذلك الواتساب والإنستغرام التابعين له قبل أسابيع ولعدة ساعات وأصيب حوالي ملياري مستخدم لهذه المواقع والتطبيقات بالشلل في أول ساعة من توقفها عن العمل، لكن عندما علموا بأن الوقت قد يطول حتى تعود للخدمة لم يجدوا صعوبة بالتحول للبدائل، فمنصات التواصل الاجتماعي عديدة وصحيح أن مواقع ما بات اسمها شركة ميتا، فيسبوك سابقاً لها أهمية من حيث تيسير الأعمال ومصدر رزق لعدد ضخم من الموظفين أو التجار أو رواد الأعمال لكن من السهل عليهم أن ينتقلوا للبدائل خلال ثوان لأنها متوافرة، كما أن الاستثمار بإنشاء مواقع التواصل الاجتماعي يبقى بتكاليف بسيطة قياسا بالاستثمارات المطلوبة لقطاع مثل النفط والغاز، فعدة ملايين بسيطة من الدولارات يمكن أن تطلق بها موقع تواصل اجتماعي وببعض الأحيان أقل ثم ينمو استثمارك مع الزمن، لكن لا يصل لقطاعات ضخمة من حيث حجم وتكاليف الاستثمار بالوقود الأحفوري، كما أن الاتهامات لمواقع التواصل لا تتوقف عن بيعها أو كشفها أو تسريبها لمعلومات المشتركين بها غير ما تتهم به من أنها تستغل من قبل جماعات تهدف لزعزعة استقرار الدول ببث الأفكار المسمومة والإشاعات المغرضة وكثير من الملاحظات التي ترتفع معها المطالب بإعادة صياغة القوانين الناظمة لعملها، بل في أزمة تعطل فيسبوك وشقيقاتها طالب سياسيون بتفكيك هذه الشركات الكبيرة نظراً لخطورة دورها على حياة الناس واستقرار المجتمعات فلا أحد ينكر أهميتها لكن يمكن توفير البديل والانتقال له بأقل من دقيقة ويمكن حتى العيش بدونها أو دون بعضها، فالحياة لن تتعطل إذا لم تستخدم.
بالمقابل فإن النفط لا يمكن الاستغناء عن استخدامه نظراً لتعدد الاحتياجات له، سواء في النقل بكافة أنواعه أو الصناعات عموماً كمادة رئيسة بمدخلات إنتاج عشرات المنتجات من الأقمشة للصناعات الدوائية أو الأجهزة والمعدات، اضافة لكونه لقيم للكثير من الصناعات وأيضاً يستخدم بتوليد الطاقة الكهربائية، كما أن النفط يستخدم من كافة سكان العالم أي يؤثر بحياة 7،7 مليار انسان بشكل مباشر فلا يختلف على أهميته لحياة الإنسان أي فرد بالعالم بعكس مواقع التواصل التي يمكن التغيير بينها والتوقف عن استخدامها دون أن تتعطل عجلة الحياة، بينما النفط يشل حركة الاقتصاد العالمي عندما يتعرض لأي ظروف تقلل من إمداداته، فسعر برميل النفط عندما انخفض بشدة، كما حدث العام الماضي سارع المستهلكون لشراء كميات ضخمة للتخزين ولم تتردد أي دولة مستهلكة في ذلك، لكن إذا هبطت أسعار أسهم شركات التواصل ليس من الضروري أن يقبل كل المستثمرين على شرائها، فالنفط هو من يغذي شرايين الاقتصاد العالمي ولذلك يحاول ساسة الدول المستهلكة الكبرى العمل على خفض أسعاره لما لذلك من منافع تعظم أرباح اقتصاداتهم لأنهم يعلمون أن النفط مهما ارتفع ثمنه سيبقى سلعة غير مرنة، أي لا يمكن الاستغناء عنها مهما ارتفع سعرها حتى تقلص استخدامها مؤقتاً عند ارتفاع سعرها، فسيكون ذلك لفترة مؤقتة ثم يستوعب العالم الأسعار الجديدة فأسعار البترول تبقى منخفضة قياساً بأهمية هذه السلعة وصعوبة إيجاد بديل لها يزيحها تماماً من مزيج الطاقة، فصحيح أن أسعار اليوم فوق 80 دولاراً، لكن مع قياس التضخم وانخفاض قبمة الدولار الذي يسعر على أساسه النفط فإن السعر يبقى رخيصاً، فدولار اليوم يعادل 4 سنتات من دولار
عام 1935 م أي أن الأسعار الحالية للبترول تعادل 3.30 دولار فقط قياسا بدولار ما قبل 85 سنة فهل تستحق سلعة حيوية ناضية مثل هذه الأسعار أو يقال إنها سبب للتضخم، بينما سعر شركة فيسبوك 350 دولاراً بما يعادل 4.5 ضعف سعر برميل النفط رغم فارق أهمية للعالم وللاقتصاد الدولي بين الاثنين واحتمالية سقوط أهمية فيسبوك بسرعة فكم من شركة نكنولوجيا سادت ثم انهارت، لكن النفط يبقى عاملاً ثابتاً والبقية متغيرون.
قيل سابقاً إن النفط يجب أن يباع بالصيدليات وهذه السلعة بالرغم من أن هناك الكثير من العمل لتقليل استخدامها لكن دائماً يظهر دوره المهم باستقرار أمن الطاقة العالمي وتنوع استخدامه وزيادة الحاجة لضخ الاستثمارات لزيادة إنتاجه، فبحسب تقديرات عديدة من شركات طاقة عالمية ووكالات دولية مهتمة بالطاقة وبيوت المال الكبرى، فإن الحاجة لضخ حوالي 600 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030 بقطاع النفط الغاز ضرورية لأمن الطاقة الدولي وإلا فإن الأسعار سترتفع بوتيرة سريعة جداً ولمستويات عالية وكاستباق لهذا التخوف تم تداول عقود خيارات لشهر ديسمبر 2022 عند مستويات 200 دولار وإن كان هذا يبقى احتمالاً لمراهنات مضاربين إلا أنه يوضح حقيقة قيمة النفط ودوره المحوري الثابت بالنمو الاقتصادي العالمي وإنه سيتجه لأسعار منصفة يستحقها، بينما تنفجر أسعار أصول لا تساوي شيئاً قياساً بأهمية النفط ولا تجد من ساسة الغرب من يعتبرها متضخمة، بل يغذون الأسواق بسياسات تدفع لمزيد من تضخيم أسعارها.
نقلا عن الجزيرة