ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن .. الحلول والتنفيذ

10/11/2021 18
عبد الحميد العمري

دخلت أسعار الأراضي والوحدات السكنية موجة ارتفاع مطردة غير مسبوقة منذ مطلع 2019، ولا تزال مستمرة حتى تاريخه، ولا يظهر في الأفق القريب ما يشير إلى توقف صعودها أو حتى هدوء وتيرتها، وسبق التطرق إلى أهم وأبرز العوامل التي أسهمت في حدوث هذه الموجة الصاعدة للأسعار في أكثر من مقال وتقرير، تلخصت في استجابة الأسعار المباشرة والسريعة لتزايد وتيرة ضخ القروض العقارية الممنوحة للأفراد طوال تلك الفترة، التي وصل حجمها منذ كانون الثاني (يناير) 2019 حتى نهاية أيلول (سبتمبر) 2021، إلى نحو 334 مليار ريال، أي: بما تجاوزت نسبته 97.9 في المائة من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني (341.3 مليار ريال) خلال الفترة نفسه، وأسهمت بدورها تلك القروض العقارية في الدفع بقوى الطلب على الأراضي والوحدات السكنية نحو تنفيذ نحو 697.5 ألف عقد تمويل عقاري، كانت كفيلة بتحفيز جانب العرض على زيادة الأسعار السوقية، والاستفادة القصوى من الإقبال المجتمعي على تملك الوحدات السكنية المدعوم بتيسير الحصول على التمويل اللازم، والمدعوم أيضا على مستوى تحمل أجزاء كبيرة من الفوائد البنكية المحتسبة على تلك القروض العقارية.

مقابل جميع ما تقدم ذكره أعلاه، وبالتزامن مع الفترة نفسها، لم تشهد السوق العقارية المحلية تحركا مماثلا من حيث السرعة والزخم، أي: عمليات تنفيذ على أرض الواقع للمراحل التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، حيث تم الاكتفاء بتطبيق المرحلة الأولى من النظام في أربع مدن فقط (الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة) طوال الأعوام الماضية، ولا تزال أوضاع التنفيذ حتى تاريخه عند نقطة ما تم إعلانه قبل أكثر من عام من تاريخه فيما يتعلق ببقية المراحل التنفيذية التالية، الذي تضمن إعلان البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من النظام في كل من الرياض وجدة والدمام قبل نهاية العام الجاري، ولم يصدر حتى تاريخه أي إعلان إلحاقي عما تم في هذا الشأن من تطورات أو إجراءات، كما تضمن الإعلان السابق خلال العام الماضي بدء تنفيذ المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في 17 مدينة إضافية أخرى، وصدر في خصوصه عديد من الإعلانات المتتالية عن الإجراءات التي تمت، وأن إجراءات استكمال التنفيذ تسير وفق مراحلها الزمنية المعتادة، وهذا بالتأكيد يعد أمرا إيجابيا بالنسبة للمدن التي تم إعلان بدء التطبيق فيها، ويؤمل أن تسهم تلك الإجراءات في كبح الارتفاعات المطردة في أسعار الأراضي والعقارات الموجودة في تلك المدن والمحافظات.

تبلورت التطورات الأخيرة للسوق العقارية خلال 2019 - 2021، باختصار شديد جدا، في تحريك واسع وقوي جدا لقوى تحفيز الطلب، والاعتماد بدرجة كبيرة على ضخ أكبر قدر ممكن من الائتمان العقاري وصل إجماله إلى 334 مليار ريال، أي: بمتوسط شهري يبلغ 10.4 مليار ريال، ويتجاوز نموه القياسي بنسبة 455.6 في المائة، مقارنة بالمتوسط الشهري لإجمالي القروض العقارية خلال الفترة 2016 - 2018 الذي لم يتجاوز 1.9 مليار ريال شهريا (بلغ لإجمالي الفترة 2016 - 2018 نحو 67.6 مليار ريال). في المقابل على جانب العرض، لم يحدث كثير من التطورات على طريق تحرير وتطوير مزيد من الأراضي السكنية المشمولة بنظام الرسوم عليها، ولهذا لم تحدث التأثير المأمول منها طوال تلك الفترة، وظلت تكلفة تحمل تلك الرسوم المحدودة أدنى بكثير من المكاسب القياسية الممكن تحقيقها نتيجة الارتفاعات المتتالية للأسعار.

أمام التفاوت الكبير بين جانبي العرض والطلب وفقا لما تقدم، فيمكن حينئذ فهم أكبر قدر ممكن من الأسباب التي أدت إلى موجة الارتفاعات القياسية التي طرأت على أسعار الأراضي والوحدات السكنية باختلاف أنواعها ومواقعها، ويمكن أيضا التعرف على أول سبل العمل على كبح جموح تلك الارتفاعات القياسية التي تعد غير مبررة على الإطلاق في ظل التوجهات الراهنة للدولة - أيدها الله - عبر كثير من البرامج التنموية الهادفة إلى تسهيل تمكين المواطنين من تملك مساكنهم بأقل تكلفة ممكنة، ودون الاضطرار إلى تحملهم مزيدا من الأعباء المالية المكلفة للوصول إلى هذه المستهدفات المهمة جدا.

يأتي في مقدمة أدوات المعالجة، أن يتم البدء بتنفيذ بقية المراحل التنفيذية التالية من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، ويتم البدء من تاريخه بتطبيق المرحلتين الثانية والثالثة في المدن الرئيسة، التي تركزت فيها الارتفاعات السعرية بصورة فاقت بقية المدن والمحافظات، وهي الأدوات المتاحة والمتوافرة لدى الأجهزة المعنية خلال الفترة الراهنة، ولا تتطلب جهودا أكبر من مجرد تطبيقها على أرض الواقع، والعمل المتكامل على مواجهة هذه الموجات التضخمية غير المبررة للأسعار.

ختاما، يشكل الوصول بمستويات الأسعار إلى المستوى الأعلى فعالية وكفاءة اللازم لكبح التضخم الراهن في الأسعار، والعمل في الأجلين المتوسط والطويل على إعادتها إلى مستوياتها العادلة سعريا، وبما يتلاءم مع قدرة الأفراد والأسر من حيث الدخل، وهو الهدف المرحلي الذي واجب تحققه ضمن برنامج التحول الوطني 2020، ممثلا في خفض مكرر متوسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي دخل الفرد السنوي من عشر مرات إلى خمس مرات، وكما هو قائم الآن بموجب المؤشرات العقارية المنشورة عبر موقع وزارة العدل بصورة منتظمة، فإن متوسط الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية يفوق تلك المستهدفات؛ ما يؤكد الأهمية القصوى لاستكمال تنفيذ جميع الأدوات الكفيلة بتحقيق العدالة السعرية للأصول العقارية السكنية، خصوصا التي يأتي في مقدمتها استكمال جميع المراحل التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وتمكين النظام حال تنفيذه بصورة كاملة من تحقيق أهدافه الثلاثة الرئيسة، المتمثلة في: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية.

 
نقلا عن الاقتصادية