تناقصات تحول الطاقة (1)

08/11/2021 1
فواز حمد الفواز

ارتفاع أسعار الطاقة و نقصها و القمة الخضراء في المملكة و مؤتمر قمة جلاسكو البيئية COP26 مناسبة مهمه لمراجعة تحولات الطاقة و الهجمة على الوقود الاحفوري لأسباب يشترك فيها الاقتصادي و العاطفي والاديلوجي والموضوعي و السياسي. لا تختلف منظومة الطاقة عن أي منظومه كونية أخرى فهي دائما في حالة تحول- تحول يحكمه تاريخيا التقنية و الممكن في سلم التطور الاقتصادي و المقبول مجتمعيا و التشريعات التنظيمية ، و لكن حتى هذه المعطيات الكونية تغيرت حين وصل الاستهلاك إلى مستوى أثر على البيئة و بالتالي المناخ وجعلها أحد تحديات العصر. اقتصاديا الطاقة أحد مدخلات الانتاج مثل المعرفة التقنية و القدرات التنظيمية و البشرية هذه العوامل ايضا في حالة تفاعل دائم، كلها عوامل مهمه لكل دولة و لكن مايهمنا في هذا العمود هو الطاقة. الطاقة مهمه لنا على ثلاث مستويات متداخلة، الأول انها المصدر الرئيس لحياتنا الاقتصادية و المالية في هذه المرحله و ما يتبعها من ضروريات التحول الاقتصادي، و الثاني الحاجة للتكيف مع التحولات العالمية و منها منظومة الطاقة، و الثالث حاجتنا و مساهمتنا لحماية البيئة و تقليل تكلفة التغيرات المناخيه. في ظل هذه الادوار والمستويات إلا ان الطاقة مدخل اقتصادي يخضع للعرض والطلب يتشكل حسب مستويات و طبيعة الاستثمارات و الحوافز المساعده و المثبطه.

 يمر عالم الطاقة بتغيرات مهمه في محاولة تقليل الاعتماد على الوقود الاحفوري ( النفط و الغاز و الفحم ) و الذي يشكل حوالي 83%، لذلك الوصول إلى تصفير الكربون في 2050، هدف يبدو غير ممكن عمليا لأربعة اسباب ، الأول ان العالم يحتاج استثمارات ضخمة يصعب توفرها ،فمثلا انخفضت الاستثمارات الراسمالية في النفط 40% منذ انخفاض أسعار النفط في 2015 و لكن لم تكن استثمارات الطاقة المتجددة كافية للتعويض خاصة أن الاعتماد عليها لم تصل إلى المستوى المطلوب مثل شهدت الطاقة من الرياح في شمال أوروبا. يقدر مصرف بيرنستين ان الفجوة بين الطلب في سعة انتاج الغاز الطبيعي المسال 2% و ربما ترتفع الى 14% في 2030. ثانيا، هناك تحديات جيوسياسية لابد أن تكون جزء من مشهد تتغير فيه المصالح بين الدول الغنية في ما بينها، و بينها و دول العالم الثالث و التي لديها اغلب مصادر الوقود الاحفوري، فمثلا لدى دول الاوبك بلس حوالي 50% من انتاج النفط، و تشكل روسيا 41% من واردات أوروبا من الغاز. نقص الاستثمارات يساعد بعض دول الاوبك فقط( خاصة أن هناك مبالغات لبعض احتياطيات الدول لاسباب سياسية او لتوظيفها في مباحثات الحصص، أو بسبب نقص الاستثمارات) و الثالث عدم قدرة الدول المؤثرة  على قيادة التحولات الكونية في ظل الضغط البيئي و الحرب الباردة النابعة من منافسة اقتصادية بين أمريكا والصين و لكن ايضا تغير الدور الروسي و لجوء دول مؤثرة للاستقلال الاقتصادي من سلاسل الامداد العالمية و محاولة دول اقليمية من رفع درجة التوتر الأمني و السياسي و ارتفاع مستوى الديون و الضغوطات المالية- بيئة لا تسمح بالتعاون الدولي. التناقضات كثيرة منها أن ارتفاع اسعار الوقود الاحفوري تحد من استهلاكه فبالتالي يقلل الانبعاثات الكربونية و لكن ارتفاع الأسعار ايضا يجر لارتفاع حوافز زيادة العرض، ومنها القراءات الاحصائية الخأ فمثلا ينقل أن الصين اكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم ولكن لازلت أمريكا تساهم بضعف الصين قياسا على حصة الفرد الواحد، بينا الهند لا تنتج ما يكفي من الطاقة و لذلك يصعب رفع أسعارها بدرجة عالية.

ومنها أيضا صعوبة التعاون من خلال التماثل في الضرائب و الأسعار، فمثلا أوروبا لديها ضرائب أعلى على الوقود من امريكا بينما أوروبا ساهمت أكثر في تقليص الانبعاثات بينما سياسات السوق في أمريكا غير متناسقة مع التنظيمات القانونية التي تأخذ بها أوروبا مثل منظومة المتاجرة بالانبعاثات. في الأسبوع القادم نواصل عرض التناقضات بغرض رسم صورة واقعية عن مشهد الطاقة و صعوبة تحليله و استنتاج وصفات مستقبلية بدرجة عالية من الثقة.

 

خاص_الفابيتا