يواجه الإنسان تحديات لا نهاية لها طوال حياته، بدءا من أول نفس له خارج رحم أمه إلى أن يسلم روحه لخالقها، "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، والكبد هو التعب والمشقة، وما يعانيه الإنسان من الشدائد في الحياة الدنيا.
من هذه القاعدة الأساسية في حياة كل إنسان التي يجب أن يرسخها المرء في تفكيره دائما وأبدا، ومنها ينطلق في أرض الله الواسعة، إما طلبا لعلم أو رزق أو أي شأن من شؤون هذه الحياة، وهو ما يعني بدوره أنه المسؤول الأول والأخير عن نتائج أقواله وأفعاله، "كل نفس بما كسبت رهينة"، وأن المرء حينما ينسب إلى نفسه الحظ الأكبر من الأسباب - بعد توفيق الله - إذا أنجز ونجح وفلح في أمر ما، فالمعادلة ذاتها أيضا قائمة إذا فشل وتعثر وسقط، فهو كذلك يتحمل الحظ الأكبر من الأسباب - بعد قدر الله -، وهي عين الشجاعة أن يواجه المرء نفسه بهذه الحقيقة، كما ينسب إليها أسباب النجاح.
من هنا يمكن الجزم بأن لا خوف أو قلق يمكن أن يسيطر على أنفس، قد تحلت بمثل هذا القدر من الشجاعة مع ذاتها، وتمكنت أمام خسارة معركة واحدة أو حتى اثنتين أو ثلاث، أؤكد أنها تمكنت من المحافظة على عزيمتها ورباطة جأشها وتماسكها في مواجهة "كبد" الحياة، بل ستجد أنها قد زادت خبرتها وصلابتها ورصيدها من الأمل والطموح، فتعيد الكرة مرات ومرات حتى تصل إلى هدفها المنشود.
إن احتمالات السقوط في محطات الفشل، مثلها مثل احتمالات الارتقاء في سلالم المنجزات والنجاح، ولا يهتم هنا صاحب الهمة المقدام بأيها أعلى من الأخرى، فقد يصطدم بجدار صلب من أسباب الفشل، إلا أنك تراه يتربص باحثا عن فرصة مهما بلغ صغرها، ليتخطى ذلك الجدار، فيما قد ترى نقيضه اليائس المحبط تخور قواه وإمكاناته التي تجاهلها بسوء تقدير منه عند أدنى تحد يعترض طريقه، وما أوسع الفارق بين همة الأول ويأس الثاني، "ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصدري رياح أخر"، للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي.
تأتي أهمية كل ما تقدم أعلاه للإنسان ذكرا كان أم أنثى، قبل أي شهادات وخبرات وإمكانات قد اكتسبها، إنها القوة الحقيقية التي تدفع المرء دفعا نحو اقتناص الفرص، واعتساف رقابها عسفا. تؤكد آلاف التجارب الحياتية للبشر كم من الناس قد سقط وما زال يدور حول نفسه في دائرة الفشل، رغم امتلاكه أرفع الشهادات والخبرات والإمكانات، إلا أن حظه من تلك القوة الحقيقية أصغر من جناح بعوضة، وكم من آخرين قد لا يملكون واحدا في المائة من تلك الشهادات وما تلاها، إلا أن رصيدهم من تلكم القوة الحقيقية يفوق حجم الجبال، وتراهم قد وصلوا ونجحوا وحققوا في نهاية طريق حياتهم ما لم يخطر على بالهم أنفسهم وهم في أول ذلك الطريق.
نعم، التنظير هنا أسهل من شرب الماء، وليس من يده في النار كمن يده في الماء، وقس على ذلك كثيرا من المقولات التي تبعث السكينة والاستسلام في النفس، لكنها أبدا لا تسهم بأي قدر كان في حل المشكلة التي يبدأ حلها من المرء نفسه، فينفض عنه الإحباط واليأس والخمول، بل ينفض حتى من تفكيره انتظار مساعدة الآخرين، في الوقت ذاته الذي يستلقي على ظهره منتظرا إياهم.
تأكد أن دخولك حاملا أحلامك وطموحاتك بين دفتي طلبك العمل على أحدهم، وتكرار ذلك دون يأس أو ملل، أنك في كل دخول لك لن تخسر، بل ستربح على أقل تقدير احترام كل من ستقابلهم، إلى أن تأتي اللحظة التي سيضاف إلى تلك المكاسب الربح الأكبر، ممثلا في القبول بك، وتأكد أن رحلاتك المكوكية بحثا عن عمل شريف لك، تظل أفضل مليون مرة من الاستسلام والبقاء مهزوما ومتذمرا في بيت أسرتك، أو مع أصدقائك تشتكي لهم همومك، بحثك وعناؤك سيكسبك قوة أكبر في الشخصية والروح، ستتفاجأ بها لاحقا في بقية مراحل حياتك، وأنها تحولت إلى أقوى محفز لك في مواجهة التحديات الحياتية المتعددة، وعلى العكس تماما لن ترى من استمرار استسلامك لليأس والإحباط إلا مزيدا من الخسائر، وفوات الفرص التي كنت الأحق بها، وما أفدحها من خسارة إذا خسرت استغلال أهم وأغلى فرصة لديك، ممثلة في زهرة شباب العمر.
افتح عينيك على أصغر ضوء قد تراه في أي طريق، وأغمضهما تماما عن محيط الظلام، وإن فشلت اليوم، فكرر اقتحام غمار الحياة غدا، وبعد غد، وكن كذلك إلى أن تلتقي فرصتك المستحقة التي لن تأتيك أبدا وأنت في عالم آخر، غارق في أوهامه وأحلام يقظته.
تعمدت هنا أن أسلط الضوء على أهم محور "غائب" في حياة الباحث عن عمل، المحور الذي لا توجد له أسطر في السيرة الذاتية، والمحور الذي متى حضر معك في مقابلات التقديم على أي عمل، كان هو الإشراقة التي تبهر كل من سيلقاك، بل قد تجدها تساعدك على تجاوز بعض المؤهلات أو الاشتراطات للحصول على الوظيفة التي لا تمتلكها، فينظر إليك من أمامك على أنك ستكون قادرا بهذه القوة الحقيقية على اكتساب ما ينقصك اليوم في الغد القريب، وأنك بالنسبة إليه مشروع نجاح سيتنامى يوما بعد يوم، وأنك لست ذلك الشخص الذي انتهى لديه الصراع مع الحياة وتحدياتها، بمجرد حصولك على تلك الوظيفة، وهذا فارق كبير جدا لا يدرك أهميته إلا ذوو الطموح الذي سقف له في حياتهم، فكن منهم متوكلا على الله من قبل ومن بعد.
نقلا عن الاقتصادية