أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد عن إطلاق مكاتب إستراتيجية لتطوير مناطق الباحة، والجوف، وجازان، والتي يُعول عليها أن تكون نقطة بداية ونواة لتأسيس هيئات تطوير مستقبلاً بتلك المناطق.
فكرة إنشاء مكاتب إستراتيجية بمناطق هامة من بلادنا، استندت إلى رؤية تنموية طموحة تُؤكد على حرص سمو ولي العهد على شمولية التنمية لجميع مناطق المملكة دون استثناء أو تفضيل أو حتى تمييز بين منطقة وأخرى، سيما وأن هذه الشمولية التنموية تتسق تماماً وتتناغم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، بأن يصبح لدينا اقتصاد مزدهر ووطن طموح ومجتمع حيوي، سيما لو أخذنا في الحسبان أن تأسيس مكاتب إستراتيجية سيعزز من استغلال الميزات النسبية والخصائص الاقتصادية لكل منطقة وفي إشراك المجتمع المحلي لأبناء المناطق، بحيث ينتج عن ذلك تطوير اقتصاديات المناطق المستهدفة ودعم ورعاية الميزات النسبية لكل منطقة.
يتوقع من المكاتب الاستراتيجية أن تُسرع من أداء قطاعات التنمية في المناطق الثلاث، بتحديدها للأهداف وأولويات العمل، بما في ذلك الخروج بمؤشرات أداء قابلة للقياس لخدمة المناطق الثلاث وسكانها.
لعل البعض يتساءل عن أبرز المميزات النسبية والتنافسية الاقتصادية لكل منطقة من المناطق الثلاث تلك، بما في ذلك البيئية والاستثمارية، لتحولها إلى مناطق جاذبة للاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص.
على سبيل المثال، تُعد منطقة الجوف من بين المناطق الزراعية المتميزة على مستوى المملكة، وبالذات في زراعة أشجار الزيتون، حيث يوجد بها 17 مليون شجرة زيتون، وتمتلك لأكبر مزرعة زيتون متكاملة على مستوى العالم، وتنتج المنطقة ما يقارب (67 %) من الإنتاج المحلي لزيت الزيتون في المملكة.
كما وتُعد المنطقة من أخصب المناطق الزراعية في المملكة ووفرة الغذاء فيها، حيث يوجد فيها مركز بسيطا الذي يعد "سلة غذاء المملكة"، وأخيراً وليس آخراً، تنتج المنطقة 70 ألف طن من التمور و170 ألف طن من الفواكه سنوياُ، كما وتتميز باعتدال مناخها صيفاً ووفرة المياه الجوفية العذبة بها.
وبالنسبة لمنطقة جازان، فهي تزخر أيضاً هي الأخرى بالعديد من الموارد الاقتصادية والمزايا التنافسية، وبالذات في المجال الزراعي، حيث من بين أهم منتجاتها الزراعية: الخضار والفواكه والمحاصيل الحقلية، والبن العربي، وأشجار الزينة والفل والكادي والنبات العطرية، كما أن المنطقة تشتهر بإنتاج العسل وتُعد غنية بالثروة الحيوانية، خصوصاً بالأغنام والضأن والماعز والأبقار والإبل، وبفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وقربها من باب المندب، واعتبارها منفذ بحري مهم يمتد على البحر الأحمر، فإنها تُعد موقعا لوجستيا متميزا، حيث تضم المنطقة ميناء جازان، الذي يُعد ثالث موانئ المملكة على ساحل البحر الأحمر من حيث السعة، كما أنها تمتاز بتنوعها البيئي والمناخي، وهي تُعتبر البوابة الرئيسة لجزر فرسان، ومن الجانب التراثي تحتضن منطقة جازان آثاراً يرجع تاريخها إلى (8000) سنة قبل الميلاد.
أما بالنسبة لمنطقة الباحة، فتبرز أهميتها الإستراتيجية في كونها من بين أهم المناطق السياحة على مستوى المملكة لطقسها الجميل وضمها لعدداً كبيراً جداً من الغابات، حيث على سبيل المثال لا الحصر؛ يوجد بالمنطقة غابات ومنتزهات عديدة، مثل غابة رغدان ومنتزه القمع ومنتزه الشكران، هذا بالإضافة إلى وجود قرية ذي عين الأثرية، والعديد من القرى والحصون، كما أنها تتميز بالثروة المعدنية التي تمتلكها محافظاتها، مثل محافظة القرى ومحافظة العقيق ومحافظة الحجرة التي تمتلك لمعدن الحديد ومعدن الذهب ومعدن الفضة، وهكذا، وبها أيضاً أشهر مناجم المملكة وهو منجم الحجرة.
دون أدنى شك، أن إنشاء مكاتب استراتيجية في مناطق مهمة جداً من بلادنا، كمنطقة الجوف، ومنطقة جازان، ومنطقة الباحة، سيسهم في اكتشاف الثروات والموارد الاقتصادية لهذه المناطق واستغلالها الاستغلال الاقتصادي الأمثل، كما سيسهم كذلك في التعرف على مواطن القوى الاستثمارية الكامنة بها وتحويلها إلى فرص استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حدٍ سواء، مما سيمكن المملكة من تحقيق الأهداف الاستثمارية المأمول تحقيقها بحلول عام 2030 بجذب واستقطاب استثمارات تزيد قيمتها عن 12 تريليون ريال، وأيضاً أن تشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بنسبة 5.7 %.
إن التركيز على النهوض باقتصاديات مناطق المملكة المختلفة، وتوظيف مواردها الاقتصادية والطبيعية، توظيفاً سليماً، سيعزز من قيمها المضافة اقتصادياً، كونه سيخدم ليس فقط اقتصاديات المناطق وأبنائها، بل إنه سيسهم بشكلٍ كبير جداً في التعزيز من قدرات الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لتصل قيمته 6.4 تريليون ريال بحلول عام 2030، وليتبوأ الاقتصاد الوطني المرتبة 15 على مستوى العالم.
أخيراً وليس آخراً، وهذا هو المهم، أن النهوض باقتصاديات المناطق في المملكة، سيخفف من حدة الهجرة من المناطق الأقل نمواً إلى المناطق والمدن الأكثر نمواً على مستوى المملكة، بمعنى آخر أدق وأوضح سيعزز من الهجرة المعاكسة للمناطق لتوفر الوظائف فيها وسبل العيش الكريم الذي يتساوى مع المناطق والمدن الرئيسية الكبيرة، هذا بدوره سيعزز من مفهوم التنمية الشاملة المستدامة التي تحدث عنها سمو ولي العهد ويجسد حقيقة حرصه حفظه الله على تحقيق الشمولية في التنمية، وخير دليل على ذلك إعلانه بالأمس القريب عن إستراتيجية تطوير منطقة عسير تحت شعار "قمم وشيم"، التي تهدف إلى تحقيق نهضة تنموية شاملة للمنطقة.
نقلا عن الرياض