هناك حقيقة يعرفها أصحاب محال التموينات، التي في الأغلب تدار من قبل وافدين هنا في المملكة، وهي أن آلية السماح بالشراء الآن والدفع لاحقا، تعد وسيلة تمويل مهمة ومربحة لهذه المحال. والآن بعد التطور التقني عموما، وتحديدا في مجال التقنيات المالية “فنتك”، بدأت تظهر طرق حديثة لتمويل المشتريات لشرائح عديدة من المستهلكين، وبدأ الطلب يزداد عليها بشكل ملحوظ.
ما حقيقة جاذبية هذه الطريقة التمويلية الجديدة؟ ولماذا لا تعيرها المؤسسات التمويلية التقليدية أي اهتمام؟ وما مدى احتمال نجاحها هنا في المملكة؟
الحقيقة التي اكتشفها أصحاب محال التموينات هي أن هناك أناسا لديهم القدرة على الدفع، ولكن ليس بالضرورة بشكل فوري، بل لاحقا حين تنزل مرتباتهم الشهرية أو حين يتوافر لديهم الكاش، فيدفعونها على شكل أقساط. تلك المحال تقوم بذلك على الرغم من علمها باحتمالية تأخر البعض عن السداد وربما عدم السداد من قبل آخرين، ولكنها تدرك أهمية ذلك في تحريك تجارة المحل.
الأسبوع الماضي اشترت مجموعة “جولدمان ساكس” المالية، شركة جرين سكاي المختصة بالخدمات المالية عبر الإنترنت مقابل 2.24 مليار دولار، والهدف من ذلك رغبة البنك في الدخول إلى مجال التمويل عند نقاط البيع، التي تعد طريقة “اشتر الآن وادفع لاحقا” واحدة منها. كما تم سابقا قيام عملاقة المدفوعات الرقمية “باي بال” بطرح هذه الطريقة التمويلية نتيجة شعور الشركة بأهمية هذا المجال، وفي محاولة منها لمنع شركات الـ”فنتك” من الدخول في مجال عملها.
تختلف آلية “اشتر الآن وادفع لاحقا” عن غيرها من طرق التمويل بأمور نفسية ومالية وعملية في الوقت ذاته، وأقرب آلية إليها هي آلية الدفع بوساطة بطاقات الائتمان، ولكن هناك فروقات جذرية.
باختصار، فكرة هذه الآلية الجديدة هي أن يتم السماح للمشتري بتأجيل الدفع لشهر تقريبا، وذلك بالدفع الفوري لـ25 في المائة من قيمة المشتريات، ومن ثم تقسيط الباقي على ثلاث دفعات متساوية تدفع كل أسبوعين، دون أن يكون هناك أي تكلفة تمويلية على المشتري. نقطة الجذب هنا، أن كثيرا من الفئات المستهدفة من قبل هذه الطريقة الجديدة لا يتعاملون ببطاقات الائتمان لأسباب عدة، وبالتالي، فإن وجود آلية تمويل من خلال تطبيق مجاني وسلس وعملي بين أيديهم غيرت من معالم عملية الشراء برمتها.
أحد أهم أسباب عدم التعامل ببطاقات الائتمان في كثير من الدول، وبالذات هنا في المملكة، هو أن عملية الحصول على بطاقة الائتمان عملية معقدة وطويلة وتتطلب حسابات بنكية وسجلا ائتمانيا نظيفا جدا. كذلك بطاقات الائتمان ينتج عنها تكاليف عالية على المستخدم، من رسوم التأخر في الدفع إلى أحيانا رسوم سنوية ونسبة فائدة مرتفعة لمن لا يقوم بالسداد أولا بأول، هذا إضافة إلى أن الجيل الجديد، بحسب تقديرات البعض، أصبح لديه تخوف من تراكم الديون التي يعلمون أن بطاقات الائتمان أحد مسبباتها.
أما بالنسبة إلى المحال التجارية، فإن إدراج وسيلة الدفع الجديدة هذه من ضمن وسائل الدفع المتاحة، سواء كانت هذه المحال تقليدية أو إلكترونية، فهي مسألة بديهية، لكون هذه المحال، في نهاية الأمر، تتقبل أي طريقة يفضلها العملاء. هذا على الرغم من أن طرق الدفع لاحقا مكلفة على المحال التجارية بشكل أكبر من بطاقات الائتمان، حيث تستقطع شركات “اشتر الآن وادفع لاحقا” نحو 5 في المائة من مبلغ عملية الشراء، مقابل ما بين 2 إلى 3 في المائة لبطاقات الائتمان.
التطور اللافت لهذه الوسيلة الجديدة هي أنها وجدت طريقها إلى قلوب المستهلكين بشكل سريع وغير متوقع، وهي بالطبع من بنات أفكار التقنية المالية الجديدة “فنتك”، ولكن تبين أنها أضفت تجربة جديدة ومغرية للمشتري، لكونها تتيح للعميل الجديد الاشتراك الفوري في الخدمة، عندما تكتمل المشتريات ويهم بالدفع، فيجد خيار الدفع لاحقا من ضمن الخيارات. كثير من الناس، حتى أولئك القادرون على الدفع الفوري، يجدون جاذبية في أسلوب الدفع لاحقا متى تبين لهم عدم وجود تكلفة إضافية عليهم.
بحسب دراسة لشركة ماكينزي للاستشارات، من المتوقع أن يتم سحب نحو عشرة مليارات دولار سنويا من المؤسسات المصرفية التقليدية لمصلحة الشركات الجديدة العاملة في مجال وسيلة الدفع الجديدة هذه. كما أن كثيرا من الخبراء في هذا المجال يرون أن كثيرا من المؤسسات المالية التقليدية لا تعي حجم هذه الظاهرة الجديدة، بل يعتقدون أنها مجرد وسيلة دفع أخرى، والحقيقة أنها أكبر من ذلك بكثير. النقطة الجوهرية هنا أن كثيرا من المستخدمين ينطلق برحلة الشراء من تطبيق وسيلة الدفع، لكون هذه التطبيقات أصبحت تعمل بشكل متكامل، حيث إنها تقدم خدمات متنوعة ووسائل تسويقية عن طريق التطبيق، بشكل لا يمكن للمؤسسات المالية التقليدية تقديمه بمجرد تقديم وسيلة دفع للمستهلك.
شركة آفتر باي، وهي أحد أهم الشركات العاملة في هذا المجال، تقدر في دراسة لها أن نحو 17 في المائة من عملائها في شباط (فبراير) الماضي قاموا بعمليات شراء من خلال التطبيق، وهو في الأساس تطبيق للدفع وليس للتسوق. وهم بذلك يحققون مبالغ إضافية من المحال التجارية، علاوة على الاستقطاع 5 في المائة، بحكم أن العميل يكون قد جاء عن طريقهم.
الشركات الكبرى المدرجة في الأسواق الأمريكية والمختصة في أساليب الدفع لاحقا هي Affirm بقيمة سوقية 30 مليار دولار، وشركة Afterpay بقيمة سوقية 27 مليار دولار، إلى جانب الشركة السويدية الرائدة في هذا المجال “غير مدرجة”. أما في منطقتنا العربية فهناك عدة شركات ناشئة في هذا المجال منها “تمارا” السعودية، التي حصلت على نحو 400 مليون ريال في جولة تمويلية قبل أربعة أشهر، والإماراتية “تابي” والمصرية “شهري”، وغيرهم.
هل تنجح هذه الوسيلة الجديدة في المملكة؟
برأيي أن هذه الشركات ستلاقي نجاحا كبيرا في المملكة وذلك للأسباب التالية، ضعف جاذبية البطاقات الائتمانية في المملكة وارتفاع تكلفتها، تقبل أسلوب الدفع لاحقا عطفا على الثقافة المحلية، جاذبية عنصر عدم وجود فائدة مالية على العميل، وأخيرا حاجة شرائح كثيرة من المجتمع للتحكم في الميزانية الشهرية وأهمية السيطرة على المصروفات في ظل ارتفاع الأسعار وتزايد متطلبات الحياة.
نقلا عن الاقتصادية
وهذا النظام اذا طبق سيوجه الضربة القاضية لكثير من أنواع التستر التجاري وبالذات المتعلق بالافراد