رغم الظروف الاستثنائية التي عاشها العالم بأسره خلال العام الماضي ولا يزال يُعاني من تبعاتها حتى يومنا هذا سواء أكان ذلك على مستوى الصحة العامة أم على مستوى الاقتصاد بسبب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، إلا أن المملكة العربية السعودية استمرت في مواصلة مسيرتها الاقتصادية وفي عطائها التنموي والاجتماعي.
تَوقع تقرير صدر عن البنك الدولي العام الماضي حول الآفاق الاقتصادية العالمية، أن جائحة كوفيد-19 ستتسبب في تقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2%، وهو ما يمثل أعمق ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات الفقر المدقع. كما توقع البنك أن ينخفض النشاط الاقتصادي في الدول الغنية بنسبة 7% وذلك بسبب شدة تأثير الجائحة على العرض والطلب المحليين وأنشطة التجارة والتمويل.
رغم عدم حالة اليقين التي عاشها العالم خلال العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية المصاحبة للجائحة، والتي لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي حتى عامنا الحالي، إلا ان الاقتصاد السعودي تَمكن مع انطلاقة هذا العام إظهار تحسناً ملحوظاً في الأداء على أكثر من صعيد وجانب اقتصادي ومالي.
إن استمرار المملكة في تنفيذ برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030، وبالذات المرتبطة بمرحلة تحول الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط بشكل رئيسي وأساسي إلى الاعتماد على تنويع الاقتصاد بما يكفل ديمومة الموارد الاقتصادية والاستدامة المالية في نفس الوقت، تَمكنت المملكة من تحقيق مؤشرات ومعدلات تحسن ملحوظة اقتصادياً ومالياً خلال الربع الأول والربع الثاني من هذا العام.
وقد كان لبرنامج تحقيق الرؤية دوراً مهماً في تحفيز مبادرات وبرامج الإصلاح الاقتصادي والمالي للوصول إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادية جيدة هذا العام تلبي الطموحات والتطلعات وتعوض في نفس الوقت التراجع الذي شهده الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العام الماضي بنسبة بلغت 4.11 - %.
ولقد كان للميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي أيضاً دوراً مهماً في استعادة الاقتصاد لوتيرة النمو خلال العام الجاري، بما في ذلك تعزيز الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل، سيما حين النظر إلى الجهود المبذولة لتنمية الإيرادات غير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق، وزيادة مستوى مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
هذه الجهود الحكومية الحثيثة تُوجت بتحقيق الاقتصاد الوطني لنتائج ومعدلات نمو إيجابية خلال الربع الثاني من العام الجاري، حيث وفقاً لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء، شهد الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة ارتفاعاً بلغت نسبته 1.8% في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع المماثل من العام السابق. ويرجع هذا النمو الإيجابي إلى الارتفاع الذي تحقق في القطاع غير النفطي بنسبة بلغت 8.4% والارتفاع في مساهمة القطاع الخاص بنسبة 11.1% وأخيراً تسجيل القطاع الحكومي لنمواً بلغت نسبته 2.3%.
كما وسجل مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك لشهر أغسطس الماضي ارتفاع طفيف جداً، بلغت نسبته 0.3% على أساس سنوي مقارنة بنظيره من العام الماضي، والذي يُعد أدنى معدل تضخم يتم تسجيله منذ 14 شهراً مضت. وما قد ساهم في تسجيل هذا المعدل المنخفض، تسجيل قسُم التعليم لانخفاض بلغت نسبته 7.8% وكذلك تسجيل قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى لانخفاض بلغت نسبته 3.5% متأثراً بانخفاض أسعار إيجارات السكن بنسبة بلغت 4.2%.
أخيراً وليس آخراً، بلغ عدد الرخص الاستثمارية الممنوحة خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 478 رخصة، بارتفاع بلغت نسبته 36% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، في حين أظهرت البيانات الأولية الصادرة عن البنك المركزي السعودي (ساما)، نمواً في صافي الاستثمار الأجنبي المباشر للمملكة العربية السعودية في الربع الأول من العام الجاري بلغت نسبته 11.3% ليصل إلى نحو 6.7 مليار ريال مقارنة بالربع الأول من العام الماضي والذي بلغ ما يقارب 6.1 مليار ريال.
كما وأرتفع عدد المنشآت الأجنبية الجديدة في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 108% لتصل إلى 1054 منشأة جديدة، في حين ارتفعت المشاريع المشتركة بين المستثمر السعودي والمستثمر الأجنبي بنسبة 45% بزيادة بلغت نسبتها 18% عن النصف الأول من العام الماضي، وسجل الربع الثاني من هذا العام تحسناً ملحوظاً في إجمالي التراخيص الممنوحة بلغت نسبته 21%.
دون أدنى شك، أن رؤية المملكة 2030 وبرامجها ومبادراتها المختلفة كانت بمثابة قوة دفع قوية جداً لأن يتجاوز الاقتصاد السعودي تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد بأقل التكاليف الممكنة خلال العام الماضي، وأن يستعيد عافيته مع مطلع العام المالي الجديد الذي حل فيه على المملكة وشعبها اليوم الوطني الواحد والتسعون المجيد. وبهذا تعيش المملكة وشعبها فرحتين، الأولى ارتبطت باليوم الوطني المجيد للمملكة الذي تستذكر فيه تاريخ رائع وجميل ارتبط بتوحيد المملكة على يد المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والفرحة الثانية ترتبط بتجاوز الاقتصاد لإحدى أسوأ الأزمات التي شهدها العالم في العصر الحديث.
نقلا عن الرياض