أتذكر كنت أشاهد إحدى القنوات وأنا أتحدث مع زميلي في بداية الموسم الدراسي الجامعي وفجأة رأيت طائرة تضرب برج التجارة وأخرى تلحقها وبعدها تغير العالم وبدأت التأويلات التي لم تنتهِ حتى اليوم، ولكن كيف رأينا المستقبل وقت ذاك وكيف نرى الماضي اليوم؟
الغزو الامريكي للعراق صاحبه موجة طويلة من التأويلات ليس فقط من المتعصبين الدينين والذين كانوا يتجاهلون وجود الافكار التكفيرية التي صنعت الارهاب بل أيضا من مفكرين غربيين مثلا في الولايات المتحدة ظهر كتاب -الفين توفلر-(الموجة الثالثة) الذي يرى فيه أن الانفاق العسكري الامريكي هو محرك التقدم التقني والاقتصادي الامريكي وأن التقدم التقني الاوروبي خطر على الريادة الامريكية، وهناك من رأى أن أمريكا اختارت الارهاب عدوا جديدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكان أغرب التأويلات ما كتبه محمد حسنين هيكل أن من نفذ عميلة 11 سبتمبر هم الصرب (ذكرها في كتابه الامبراطورية الامريكية وغزو العراق) وكان يرى انهيار جدار برلين حدث أكثر أهمية وأن أوروبا هي القطب العالمي القادم، وذهب الكثير أن الولايات المتحدة لكي تحافظ على ريادتها عليها الحصول وامتلاك النفط العراقي والسيطرة قدر المستطاع على ينابيع البترول حول العالم.
بعد كل هذه السنوات اتضح أن كل هذا غير صحيح، أولا اتضح أن القطب المنافس هو الصين على كل المستويات تقنيا واقتصاديا، ثانيا أن زيادة الانتاج النفطي الامريكي داخل الاراضي الامريكية في العشرين سنة الاخيرة يعادل ضعفين أقصى إنتاج وصل له العراق منذ سقوط صدام، ثالثا لو نقيس أثر الانفاق العسكري الامريكي على النمو الاقتصادي والتقدم التقني فلو نأخذ أسواق المال كمقياس لأعلى الشركات عوائد منذ احداث سبتمبر فإن أعلى عشرين شركة لا تضم شركة واحدة ذات ارتباط بالصناعة العسكرية وحسب الترتيب كانت شركة NTES وكانت من رواد تقنية الانترنت ثم شركة أبل التي نقلت فضاء الاجهزة الذكية من المكاتب إلى جيب كل شخص ثم أمازون رائدة التجارة الالكترونية، جميع هذه الشركات وجدت ما هو أهم وأضخم من الانفاق العسكري وهو حجم الاستهلاك في الاقتصاد الامريكي الذي يصل إلى 80% من الحجم الاقتصادي أي ما يعادل الانفاق الفدرالي الامريكي أربع مرات قبل كمتوسط قبل الجائحة.
ارتفاع أسعار البترول في العقد الماضي هو ما حرك المستثمرين الامريكيين لرفع الانتاج الصخري من 400 ألف إلى 8 ملايين برميل، وكذلك الحجم الاستهلاكي الضخم دفع صناعة التقنية والاستثمارات الجريئة لتزدهر.
إنه السوق الذي يرسم المستقبل وليس صراخ قاعات الدراسات بين واشنطن والعواصم الأخرى.. انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان لكن شركاتها تغزو الأسواق.
نقلا عن الرياض