هناك موجة من الارتفاعات في أسعار الأراضي والمساكن في جميع أنحاء المملكة تختلف حسب المناطق والأحياء السكنية، لكن بحسب الهيئة العامة للعقار تراوح الارتفاعات للربع الثاني من 2021 مقارنة بمثيله في 2020 بنسب بين 20 و40 في المائة في معظم المناطق، مع وجود انخفاضات طفيفة في أماكن أخرى. وهذا فقط ما يخص الأراضي ولا يشمل الشقق السكنية والفلل القائمة التي كذلك أخذت في الارتفاع بشكل كبير وغير متوقع.
ما سبب حدوث ارتفاع سنوي بهذا القدر؟ هل كان لقرب تطبيق كود البناء السعودي دور في ذلك؟ أم بسبب إلزامية التأمين على المباني السكنية؟ أم أمور أخرى؟
نبدأ أولا بكود البناء السعودي الذي هو عبارة عن مجموعة اشتراطات ومتطلبات وما يتبعها من لوائح تنفيذية ومواصفات متعلقة بالبناء والتشييد، الهدف منه ضمان سلامة المباني وحفظ الأرواح والصحة العامة. يطبق كود البناء على جميع أعمال البناء والتشييد بما في ذلك التصميم والتنفيذ والتشغيل والصيانة والهدم والتعديل وإعادة التأهيل للمباني القائمة والمنشآت. كود البناء السعودي هو التنظيم الذي طال انتظاره، حيث لا يشك أحد في أهمية وضع مواصفات وتحديد ضوابط للبناء بدلا من بقائها بالشكل العشوائي الذي استمر عقودا طويلة.
اعتاد الناس في المملكة على اللجوء إلى مقاولين أفراد لبناء منازلهم، وهؤلاء المقاولون الأفراد بدورهم يعتمدون على مقاولين أفراد في تصميم وتنفيذ الأعمال المدنية والكهربائية والميكانيكية وغيرها، وبالتالي فوجود كود البناء في غاية الأهمية. لكن هل له دور في ارتفاع الأسعار؟
أعتقد أن الضوابط التنظيمية التي شملها الكود السعودي ما بين اشتراطات إلزامية ومتطلبات عديدة وجديدة غير مألوفة رغم أهميتها والحاجة إليها، إلا أنها باغتت السوق -إن صح التعبير- من حيث عدم جاهزية الأطراف ذات العلاقة، من مقاولين ومكاتب هندسية ومكاتب إشراف ومفتشي شركات التأمين وغيرهم. هذه المباغتة أحدثت ربكة تجارية عادة تكون ردة الفعل تجاهها ارتفاعا في الأسعار، لكن هذا لا يفسر جل الارتفاعات الكبيرة الملموسة في أسعار العقارات عموما.
السبب الواضح هو أن هناك زيادة في الطلب على المنتجات العقارية لعدة أسباب، بعضها يعود إلى البرامج الحكومية الداعمة للأفراد ودورها في رفع الطلب، وبعضها يعود لاستسلام كثيرين ممن بقي ينتظر انخفاض أسعار لم يتحقق. وبغض النظر عن مسببات ارتفاع الطلب نجد أن حجم القروض العقارية للأفراد في 2020 بلغ 315 مليار ريال، بزيادة 117 مليار ريال على 2019، وهذه نسبة ارتفاع كبيرة. ارتفعت كذلك القروض العقارية للشركات خلال الفترة نفسها بنسبة أعلى من المعتاد، حيث بلغت 14 في المائة، بينما في الثلاثة أعوام ما قبل ذلك كانت 9.5 في المائة، وفي عام 2017 كانت نسبة نمو قروض الشركات سالب 0.2 في المائة.
ونجد أن القروض العقارية الموجهة للأفراد هي إما لشراء الفلل السكنية التي بلغ حجم تمويلها بنهاية 2020 نحو 110 مليارات ريال، وإما لشراء الشقق السكنية التي بلغ تمويلها نحو 19 مليار ريال، أو لشراء الأراضي التي جاء تمويلها قليلا نسبيا عند سبعة مليارات ريال. ورغم أن مبالغ التمويل الشهرية أخذت في الانخفاض منذ آذار (مارس) 2021، الذي بلغت فيه 17 مليار ريال، إلى مستوى 8.6 مليار ريال في نهاية تموز (يوليو)، إلا أن عدد عقود التمويل العقاري للأشهر السبعة من 2021 بلغت نحو 172 ألف عقد، مقابل 158 ألف عقد في 2020.
هل للتأمين ضد ما يسمى بالعيوب الخفية دور في ذلك؟ فكرة هذا التأمين أنه طريقة لتعويض المالك عن وجود أي أخطاء هيكلية في المبنى بعد تسلمه من المقاول، وبحسب الآلية المعمول بها، يتم التعاقد مع مقاول مؤهل من خلال منصة بلدي، والمقاول هو الذي يقوم بعملية التأمين، وليس الفرد المالك. هذا يعني أن المالك سيحصل على ضمان لسلامة المبنى لمدة عشرة أعوام، ويتم ذلك بقيام المقاول بدفع 30 في المائة من التكلفة الإنشائية المقررة للمبنى عند بداية التعاقد، ومن ثم يقوم بإكمال المبلغ عند تسلم شهادة الإشغال، أو إتمام البناء. لا أعتقد أن تكلفة التأمين في حد ذاتها سبب في ارتفاع الأسعار، والسبب هو أن التكلفة المتوقعة للتأمين ستكون في حدود 1 إلى 2 في المائة من القيمة التقديرية الإنشائية، وتدفع مرة واحدة، وليست سنوية كما يعتقد البعض، وليست ثابتة عند 1.5 في المائة، كذلك كما هو شائع. في نهاية المقال نعود إلى تكلفة التأمين وسنرى أن هناك تكلفة غير مباشرة قد يكون لها دور في ارتفاع التكاليف.
تكلفة التأمين تعتمد على تقديرات تقوم بها شركة التأمين الوحيدة المرخصة لهذا العمل، حتى لو أخذنا 2 في المائة كرسوم لبوليصة التأمين، فستكون نحو 20 ألف ريال لمبنى يكلف إنشاؤه مليون ريال. كما أن هناك مبلغا يتحمله المؤمن له وهو بحد أدنى 25 ألف ريال، أي: في حال وجود أي عيب إنشائي يعد من العيوب الخفية المعرفة، سيقوم المؤمن له بدفع التكاليف إلى أن تتجاوز 25 ألف ريال، ومن ثم تتولى شركة التأمين ما يزيد على 25 ألف ريال.
من سيدفع الحد الأدنى لعمليات الإصلاح تلك الـ 25 ألف ريال؟ هل هو المقاول أم المالك؟ بحسب الصيغة النموذجية لوثيقة التأمين على العيوب الخفية الصادرة من البنك المركزي السعودي يعد المقاول هو المؤمن له قبل بدء فترة التغطية، أي: قبل تسليم المبنى، وما بعد ذلك يعد صاحب المبنى هو المؤمن له. هذه الجزئية من التأمين قد يكون لها دور في ارتفاع تكاليف المقاولين، كون المقاول سيتحمل نسبة من الخسائر المتعلقة بوجود أخطاء إنشائية قبل تسليم المبنى، وهي الأخطاء التي كانت سابقا لا تكتشف بشكل سريع كما سيحصل الآن بوجود مفتشي شركة التأمين.
ارتفاع أسعار العقار بشكل يفوق قدرة الناس على الحصول على مساكن لهم مشكلة مزمنة، وتتنوع أسباب الارتفاع، إلا أن السبب الرئيس المبرر هو زيادة الطلب، كما أن ظهور آليات جديدة للبناء وتعميمها بشكل سريع وشامل لا شك أنه لم يساعد على السيطرة على أسعار العقار.
نقلا عن الاقتصادية
شكرا ابو عبدالله على هذا المقال المميز من كاتب عودنا على التميز . اضيف إلى ماتفضلتم به هو انه خلال جائحة كورونا والتي لا تزال مستمرة حتى الان واجه كثير من العمالة صعوبة في العودة بسبب شروط التطعيم واسباب اخرى ...لذلك هناك نقص في العمالة بسبب التاثر الحادث بسلاسل الامداد بشكل عام ........ايضا اود شكركم على تفضلكم باستخدام الاشهر العربية وكتابة الاشهر الغربية بين قوسين مثل آذار ( مارس) ...و تموز ( يولية ) ....لان هذا اقرب للعربية ........شكرا دكتور فهد مرة ثانية
ألف تحية.. صحيح فيه عدة أسباب، منها العمالة كما ذكرت، ومنها ارتفاع تكلفة المواد (بجميع أشكالها) بسبب التضخم العالمي من جهة وبسبب ضريبة القيمة المضافة. https://twitter.com/FahadAlHoymany/status/1436589217757417472?s=20
تحديث الانظمة في هذا الوقت جدا سيء حتى لو كانت صحيحة عندك مشكلة في توفر العمالة وفي المواد وفي الشحن المفروض يكون في مرونة في تطبيق القوانين الجديدة فلابد وتاجيل او على الاقل التدرج بشكل أكبر حتى زوال الجائحة