النمو الاقتصادي العالمي، التوسع الحضري، زيادة الحصول على الكهرباء، وتوفير وسائل الطهي النظيف الأساسية لمليارات الأشخاص في الدول النامية، وكذلك نمو الطلب على الطاقة في الدول النامية لسد عدم المساواة مقارنة بإمكانية الحصول عليها بسهولة في الدول المتقدمة، ستؤدي جميعها إلى زيادة استهلاك الطاقة الأولية بحلول عام 2050. بالفعل، الحقيقة هي أن العالم مهيأ لأن يحتاج إلى مزيد من الطاقة، وليس طاقة أقل، حسب الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم. إن هذا التقييم ليس مجرد نقطة نقاش للشركة، بل إن جميع التوقعات من منظمة أوبك إلى وكالة الطاقة الدولية، ترجح زيادة استهلاك الطاقة الأولية في العالم حتى عام 2050.
لكن رغم نموها السريع، إلا أن تقنيات الطاقة المتجددة ليست قادرة بعد على تلبية كل هذا الطلب المتزايد على الطاقة. وهذا يترك مجالا أكبر للوقود الأحفوري لتلبية النمو المتبقي في استهلاك الطاقة. يتمثل التحدي الأكبر في المستقبل في تحول الطاقة وفي الوقت نفسه ضمان توفير إمدادات طاقة كافية للعالم دون حدوث اضطرابات كبيرة بالاقتصادات وحياة الناس. من المؤكد أن أسهل طريقة لتحول الطاقة هي زيادة إنتاج الطاقة المتجددة. ومع ذلك، بالنظر إلى أن الوقود الأحفوري لا يزال يمثل أكثر من 80 في المائة من مزيج الطاقة العالمي، فإن تقليل استخدامه الآن سيعطل بشكل كبير أسلوب حياة مليارات البشر، في حين أن مصادر الطاقة المتجددة لن تكون قريبة من سد الفجوة التي سيتركها الوقود الأحفوري.
وهذا ما أكدته شركة بريتيش بتروليوم في تقريرها الإحصائي للطاقة العالمية 2021 المنشور في وقت سابق في تموز (يوليو): "التحدي هو تقليل الانبعاثات دون التسبب في اضطراب كبير وأضرار في الحياة اليومية وسبل العيش". وأظهرت المراجعة الإحصائية للشركة أنه بسبب الوباء، انخفض الاستهلاك العالمي للطاقة الأولية عام 2020 بنسبة 4.5 في المائة إلى 556.63 إكساجول (1.0E18 Joule)، وهو أكبر انخفاض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وجاء نحو ثلاثة أرباع الانخفاض من النفط، حيث أثر الوباء بشكل كبير في أنظمة النقل في العالم. كما تم الإبلاغ عن انخفاضات طفيفة في استهلاك الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية، في حين سجلت مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الكهرومائية مكاسب. ومع ذلك، رغم الانخفاض الحاد في استهلاك النفط، ظل النفط في المقدمة بنسبة 31.2 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة. وجاء باقي استهلاك الطاقة العالمي من الفحم 27.2 في المائة، والغاز الطبيعي 24.7 في المائة، والطاقة الكهرومائية 6.9 في المائة، والطاقة المتجددة 5.7 في المائة، والطاقة النووية 4.3 في المائة.
لكن من المحتمل أن يكون هذا التراجع حدث لمرة واحدة لأن استهلاك الطاقة يتعافى بالفعل ومن المقرر أن يستمر في النمو. في العقد 2009 - 2019، كان معدل النمو السنوي في استهلاك الطاقة الأولية 1.9 في المائة، حسب تقديرات "بريتيش بتروليوم"، وفقا لحسابات جون كيمب محلل "رويترز"، إذا استمر استهلاك الطاقة الأولية في النمو بالمعدل نفسه تقريبا كما في العقد الماضي، فإن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بنسبة 75 في المائة عام 2050 مقارنة بعام 2019.
سيحتاج هذا الاستهلاك الأعلى للطاقة إلى جميع مصادر الطاقة، ولا سيما بالنظر إلى حقيقة أن الطاقة المتجددة المتزايدة غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. هذا تقييم وكالة الطاقة الدولية، التي قالت: إن العالم سيحتاج أيضا إلى جهود أكبر لتعزيز كفاءة الطاقة، حيث سيكون أمرا حاسما لتلبية الطلب المتزايد وفي الوقت نفسه خفض الانبعاثات. ومع ذلك، من غير المرجح أن تعوض كفاءة الطاقة الأعلى النمو في استهلاك الطاقة.
بالفعل، عودة النمو في الطلب على الطاقة أدى إلى القضاء على التقدم المحرز في الحد من انبعاثات الكربون من العام الماضي، وكان يرجع في المقام الأول إلى انخفاض الطلب على الطاقة، وليس إلى الجهود العالمية الواعية لتقليل الانبعاثات. انخفضت انبعاثات الكربون من استخدام الطاقة بنسبة 6.3 في المائة عام 2020، إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2011. كما هو الحال مع الطاقة الأولية.
من منظور تاريخي، من الواضح أن الانخفاضات في الطلب على الطاقة وانبعاثات الكربون مثيرة للغاية. لكن من منظور استشرافي، فإن معدل الانخفاض في انبعاثات الكربون الذي لوحظ العام الماضي مشابه لما يحتاج العالم إلى متوسطه كل عام على مدار الـ 30 عاما المقبلة ليكون على المسار الصحيح، حسب تقديرات "بريتيش بتروليوم". في هذا الصدد، قال المدير التنفيذي للشركة في مقدمة المراجعة الإحصائية: "يتمثل التحدي في تحقيق تخفيضات مستدامة مشابها على أساس سنوي في الانبعاثات دون حدوث اضطراب كبير في سبل عيشنا وحياتنا اليومية".
من جهة أخرى، لا يزال حصول الجميع على الكهرباء بعيد المنال. فرغم النمو الهائل في مصادر الطاقة المتجددة والتقدم المحرز في الأعوام الأخيرة، لا يزال ما يصل إلى 759 مليون شخص يعيشون دون كهرباء، وفقا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، وإيرينا، والبنك الدولي، وجهات أخرى. وفقا للتقرير، "رغم التقدم المتسارع في الأعوام الأخيرة، يبدو من غير المرجح تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في حصول الجميع على الطاقة بحلول عام 2030، ما يترك ما يقدر بنحو 660 مليونا دون كهرباء، خاصة أن جائحة كورونا تعطل بشكل خطير جهود الكهربة". علاوة على ذلك، وجد التقرير أن نسبة سكان العالم الذين لا يمكنهم الحصول على وقود وتقنيات الطهي النظيفة كانت 66 في المائة عام 2019، ما ترك ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص أو ثلث سكان العالم دون إمكانية الوصول إليها.
من غير المرجح أن تتم تلبية احتياجات الطاقة الأساسية لمليارات الأشخاص من خلال الطاقة المتجددة فقط، حيث يستمر عدم المساواة في إمدادات الطاقة المستدامة. لكن سد فجوة عدم المساواة بين الاقتصادات النامية والمتقدمة، سيستمر في دفع الاستهلاك العالمي للطاقة إلى أعلى، حتى لو كان الطلب على الطاقة في معظم الدول الصناعية راكدا. سيتطلب ذلك جهودا أكبر بكثير وأكثر تركيزا وتنسيقا من كل أصحاب المصلحة في صناعة الطاقة لتلبية الطلب المتزايد.
نقلا عن الاقتصادية