سيظل القطاع العام محركا رئيسا لقطاعات الخدمات، ويمكن أن يكون رافدا ماليا لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وموقدا للأنشطة المرتبطة بتلك القطاعات. حتى تنجح هذه المؤسسات والقطاعات الوطنية لا بد من تطبيق معايير الحوكمة الرشيدة. ابتداء من الكيان القانوني، والتنظيم الإداري، وشغل المناصب بالكفاءات، وتطبيق الشفافية، والإفصاح والمشاركة والمساءلة وتعزيز النزاهة وغيرها من مبادئ الحوكمة التي أثبت عديد من الدراسات أهميتها ونجاحها في تعزيز دور هذه القطاعات على مستوى تقديم الخدمات، ومستوى توفير العوائد المجزية.
يمكن أن تعرف حوكمة القطاع العام بأنها كل التنظيمات والتشريعات والسياسات والهياكل التنظيمية والأدلة والإجراءات والضوابط التي تحكم العمل في مؤسسات القطاع العام، وتساعد على تحقيق مستهدفاتها من خلال آليات عمل مهنية وأخلاقية، تعتمد على النزاهة والشفافية وتخضع لآليات المتابعة والرقابة والتقييم، مع توفير أدوات المساءلة لضمان كفاءة وفعالية الأداء، وتوفير الخدمات الحكومية بعدالة. وتتمثل المبادئ العامة لحوكمة القطاع العام في: 1- حماية حقوق المستفيدين. 2- ضمان المعاملة العادلة لجميع المستفيدين وأصحاب المصالح. 3- توفير الحماية للأدوار التي يقوم بها أصحاب المصالح. 4- السعي لتحقيق الإفصاح والشفافية الكاملة. 5- ضمان تحقيق وعدالة مسؤوليات المجالس العليا وعدم تضارب المصالح.
رؤية المملكة 2030 حملت ضمن أهدافها تطوير القطاع العام، وتحويل الفكرة السائدة عن القطاع العام المترهل، الذي يمثل مركز نفقات لا يمكن التنبؤ باستعادتها، إلى مؤسسات رشيقة ومختصة مع خصخصة بعض القطاعات والمهام لتكون أكثر كفاءة وفاعلية.
بعض الجهات قد يكون لديها ضعف في القيادة التحولية، ويتمثل ذلك في ابتكار هياكل تنظيمية لا تتناسب مع حجم وكفاءة العمل فيها، واختيار كوادر بطريقة تسرع دخولهم وخروجهم لتلك المنظمات، إضافة إلى استمرار ضعف إدارات الرقابة والمراجعة الداخلية وعدم استقلاليتها، وهنا لا أقصد بالاستقلال أن تكون تحت إشراف الديوان العام للمحاسبة، بل أن تستقل بطريقة تضمن أداء عملها باحترافية ومهنية.
في عام 1999 أسندت مهمة التنظيم الإداري في المملكة إلى اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري، ثم تغير مسماها في عام 2012 إلى اللجنة العليا للتنظيم الإداري، والهدف منها تطوير الجهاز الحكومي وتحديثه والارتقاء بمستوى أدائه وترشيد تكلفته، وإعادة هيكلة أجهزة الدولة. وقد أنيط بهذه اللجنة تنفيذ مشروع وطني بمسمى مشروع التنظيم الإداري للأجهزة الحكومية، يهدف إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة إداريا، ودراسة نظام الموظفين، وحجم الوظائف وأعداد الموظفين ومدى الحاجة إليهم، ومدى حجم كل مصلحة أو وزارة قياسا للمهام المنوطة بها، والنسبة والتناسب للرتب والمراتب. ويهدف المشروع إلى تطوير الجهاز الحكومي وتحديثه. ومن ضمن أهدافه: - رفع كفاءة وفاعلية الأداء في الأجهزة الحكومية. - تطوير الأنظمة واللوائح المالية وخفض وترشيد تكاليف أداء العمل الحكومي. - تطوير الأنظمة واللوائح الوظيفية وتفعيل تطبيق مبدأ الجدارة في التوظيف. - رفع مستوى أجهزة الرقابة والمساءلة الإدارية. - تخصيص أقصى ما يمكن من الخدمات الحكومية. - إدارة ما يلزم إدارته من النشاطات الحكومية بأسلوب الإدارة التجارية (التوجه نحو الخصخصة). - التوسع في إدخال أنظمة الحاسب الآلي بكثافة في الأجهزة الحكومية (التوجه نحو الحكومة الإلكترونية) (الضبعان، «الاقتصادية» 2014). ألغيت اللجنة عام 2015.
وجود ذراع حكومية في شكل وزارة أو لجنة عليا لحوكمة القطاع العام وتحقيق مستهدفات الإصلاح الحكومي، ضرورة ترتبط بأهمية هذا التغيير، لتكون أداة مساندة في تنظيم وتخطيط أعمال الأجهزة الحكومية، وضمان توفير المتطلبات المهمة لتفعيل دور الحوكمة والتخطيط الاستراتيجي والرقابة على أعمال القطاع العام، حتى لا تظل هذه الأجهزة في تحول دائم وفق آراء من يعملون في كل مرحلة.
نقلا عن الاقتصادية