يسعى الإنسان إلى تحقيق طموحاته من خلال تعزيز قدراته المالية عبر تعلم مهنة أو حرفة سواء من ميدان العمل أو بمجالات تتطلب الالتحاق بالجامعات والكليات التقنية والمعاهد الفنية، فالوصول للأهداف يتطلب خطة عمل طويلة الأمد يكتسب فيها الفرد المهارات والخبرات المطلوبة لبناء مستقبل مهني ينعكس عليه بتيسير حصوله على فرصة عمل أو تأسيس مشروع خاص به خصوصاً إذا قرأ الواقع والمستقبل جيداً واستفاد من التسهيلات والأنظمة التي تساعده بوضع قدمه على أول طريق العمل ورحلة الكفاح حتى يحقق لنفسه ما يضمن له ولأسرته حياة كريمة ويتمكن من تلبية احتياجاته الرئيسية وكذلك تطوير وتنمية قدراته لمستقبل مشرق.
فكما قيل إن أفضل طريقة لتوقع المستقبل هو أن تصنعه بنفسك من خلال البناء السليم لقدراتك بناءً على ميولك المهني والعلمي والإمكانيات المتاحة أمامك، فالطموحات والأحلام لا تتحقق إلا بالعمل فقط، ولعل من أخطر ما يمنع أو يؤخر الفرد في تحقيق ما يطمح له أن يستمع لقصص نجاح استثنائية لقلة من الأفراد صادفوا ظروفاً ساعدتهم بتحقيق قفزات سريعة، ففي عالم أسواق المال على سبيل المثال كثيراً ما يتم تناول قصص ثراء لأفراد تحققت بظرف لا يتكرر بسهولة لأي متداول، ولأنها قصص نادرة فيتم تداولها ويراها بعض المتعاملين الجدد تحديداً مع أسواق المال أنها قاعدة يمكن أن تتحقق للكثيرين، وعملياً هذا ليس بدقيق فقصص النجاح الأكثر انتشاراً وشمولاً للكثير ممن حققوا ثروات من الاستثمار بالأسهم وغيرها من الأصول أمضوا سنوات طويلة من العمل لاكتساب الخبرة وبناء ثرواتهم وعايشوا أوقاتاً متنوعة ما بين الرواج الاقتصادي وما يتزامن معه من مراحل الأسواق الصاعدة وكذلك الأزمات الاقتصادية وفترات انهيار الأسواق والتاريخ شاهد على كثير من هذه الأحداث الإيجابية والسلبية، ولكن هذه الوقائع هي ما يصنع الخبرة للمستثمر وكذلك لمن يعملون بالمؤسسات المالية التي تدير أصول بتريليونات الدولارات، ففي عالم أسواق المال مرخص أكثر من 70 ألف صندوق استثماري منها عشرة آلاف صندوق تحوط وهذه لوحدها تدير أكثر من 6 تريليون دولار، فهذا النمو بحجم أسواق المال واستقطاب المستثمرين لها والخبرات التي تعمل بها بنيت على مدى عشرات السنوات وبعض الأسواق تخطى عمرها المائة عام، فوارن بافيت الذي يعد من أكبر أثرياء العالم بدأ عمله بعالم الاستثمار قبل 65 عاماً وعاصر خلالها أكبر الأزمات الاقتصادية مثلما استفاد من سنوات طويلة من النمو الاقتصادي، والأمثلة عديدة على نجاحات مشابهة لمستثمرين سعوديين ومن مختلف الجنسيات.
ولا يختلف الحال لمن يبدأ حياته العملية بوظيفة بعد أن يحصل على التأهيل المناسب الذي يساعده في الحصول على فرصة عمل، فمن المهم أن يسعى الموظف لاكتساب أكبر قدر من المهارات والخبرات قبل أن ينظر للترقيات، كما أن تغيير مواقع العمل بفترات قصيرة يقلل من المهارات المكتسبة وحتى الشركات لا تكبر وتنضج إلا بعد أن يسجل باسمها خبرات عديدة بالأعمال التي تختص بها، فغالبية الشركات العملاقة مضى على تأسيسها عقود طويلة وعايشت فترات عصيبة وامتلكت خبرات إدارية أكسبتها مناعة وقدرة على التعايش مع مختلف الظروف وهناك شركات خرجت من السوق لأنها لم تقرأ المستقبل جيداً أو تتحوط بالخبرات الجيدة التي تعزز من قوتها المالية والتشغيلية، فأكبر شركتين من حيث القيمة السوقية بالعالم آبل ومايكروسوفت مضى على تأسيسهما أكثر من 45 عاماً فهذه السنوات الطويلة من الخبرة العميقة بالأعمال هي ما يضيف القيمة للشركات وحتى للأفراد.
قال الشاعر الإنجليزي جوزيف أديسون «إذا أردت النجاح في الحياة اجعل من المثابرة صديقك الحميم ومن الخبرة مستشارك الخاص ومن الحذر أخيك الأكبر ومن الأمل حارسك العبقري»، فالتخطيط السليم يوصل للهدف وتحقيق الطموح فالخبرات وتطوير القدرات سلاحك ورصيدك الذي يعينك في مسيرتك المهنية والعملية، فإذا كانت تروى قصة نجاح استثنائية بعالم المال والاستثمار على سبيل المثال فهناك الملايين بالعالم من المستثمرين أخذوا وقتاً طويلاً وطبيعياً للوصول لما هم عليه من خبرة وتحقيق لأهدافهم فلا تستعجل النتائج لما تعمل عليه ولا ترفع سقف التوقعات حتى لا تكون عوامل مدمرة لمسيرتك المهنية أو لمشروعك التجاري.
نقلا عن الجزيرة