كثيرا يُصرّ على النظر إلى العلاقة بين النفط والطاقة البديلة من منظار علاقة صفرية، أي إن ارتفاعا في استهلاك أحدهم يزيح الآخر، لكن العلاقة جوهريا تكاملية، إذ إن العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة. ربما أحد مظاهر هذا الاضطراب جاء في التفاعل عاطفيا مع الحرائق في أجزاء مختلفة من العالم أخيرا، ما يقوله السياسيون الغربيون، خاصة من تصريحات حول أنواع الطاقة وأسعارها غالبا تعد جزءا من مناورات إعلامية تستدعى مضامينها جيدا.
من زاوية أخرى لعل هذه التصريحات مقصود بها من ناحية بيئية وكذلك اقتصادية، أن الحديث الاقتصادي سيطر عليه التضخم، بينما النفط لم يجار التضخم، أيضا لم يتحدث عن الإنتاج الأمريكي، كما أن مصروفات الوقود في أمريكا أقل من 2 في المائة من دخل الأسرة. ربما دليل آخر على حالة التنوع والتعقيد في سوق الطاقة الواسعة وهو ارتفاع أسعار الفحم الحراري الذي يوظف لتوليد الكهرباء، خاصة أن الفحم هو الأعلى في الانبعاثات الضارة للبيئة.
لا يقف الاضطراب في الصورة العامة هنا، فالطاقة البديلة تعتمد على عدد من المعادن الأساسية النادرة والحرجة التي بطبعها تعدينية وأغلبها أكثر تركيزا في التوزيع جغرافيا من النفط عالميا. في هذا الصدد اطلعت على ورقة بحثية للاقتصادي نظمي الخميس نشرت في مجلة "قافلة الزيت" بعنوان: "استهلاك المعادن الحرجة في الطاقة الخضراء"، تذكر الورقة أن التعدين سيجر لتوظيف أكثر للطاقة، وأن سلاسل الإمداد أحيانا غير مرنة، وبالتالي التعرض للتذبذب والانقطاع متوقع. الخلاصة أنه لا بد من تطوير تكاملي لتدوير المعادن. مصادر الاضطراب كثيرة بعضها مشروع مثل الاهتمام البيئي، وبعضها سياسي وعاطفي، وبعضها اقتصادي، تجتمع هذه الأرضيات في الحديث عن التحول في الطاقة. ولا تقف الأمور عند توزيع المصادر الطبيعية بل التصنيعية، فمثلا الألواح الشمسية تتركز في الصين، حيث تقدر بنحو 70 في المائة ونقلها لأمريكا غير واعد اقتصاديا. التحول في الطاقة مصطلح فضفاض على الأقل كما يذكر غالبا في الإعلام الاقتصادي.
التحول في الطاقة عملية تاريخية بعمر الحضارة البشرية، فمنذ أن بدأ الإنسان الأول بالاحتطاب وهو في صراع مع البيئة ومن ثم أنواع التعدين الأولية إلى الفحم والنفط والغاز فالطاقة الذرية ثم الشمسية والرياح وبتفاصيل ومصادر أخرى. مصادر يجمعها سلم التطور التقني والتكاليف المقارنة والتغير المجتمعي والتنظيمي. ستستمر عملية التحول. يهمنا ثلاث تبعات مهمة، الأولى أن الطاقة الهيدروكربونية في مأمن اقتصادي، خاصة أن المملكة في تفاعل واع مع التحولات خارجيا وداخليا ممثلة في وزارة الطاقة، فقد ذكر محلل أمريكي أن السياسة النفطية عالميا أفضل بقيادة المملكة، ودور وزير الطاقة المحوري في أزمة النفط الأخيرة بسبب تبعات فيروس كورونا. الثانية أن خيار المملكة الاستراتيجي بتقليل الاعتماد على النفط وتنويع القاعدة الاقتصادية قد بدأ بخطوات عملية كجزء أساسي من "رؤية 2030". التحدي هنا التوازن بين تعظيم الفائدة من تطويل عمر النفط لتمويل التحولات وكفاءة المنظومة الاقتصادية البديلة، فمثلا نجحت المملكة في إعادة هيكلة شركة الكهرباء بعد عقود من التراكمات. الثالثة تعميق مفهوم الدولة التجارية على نمط Saudi Inc. فالنجاح الحقيقي تضافري وتعاوني يجر إلى التعميق في كل النواحي الثقافية والمعنوية والاقتصادية على منوال برنامج "شريك"، النجاح يقود إلى نجاح أكثر مهما كانت مصادر الطاقة، بل إن الطاقة قد تفقد مركزيتها الاقتصادية مثل ما فقدت الأراضي والزراعة مركزيتها وليس أهميتها، تبقى ضرورية ومهمة لكن ليست الأساس، وهذا تحول آخر ربما أعود له مستقبلا.
نقلا عن الاقتصادية