من بين أبرز أهداف رؤية المملكة 2030 على الجانب المالي وبالتحديد عبر برنامج تطوير القطاع المالي (Financial Sector Development Program -FSDP)، إلى جانب تطوير عدة قطاعات مالية، مثل قطاع البنوك والتأمين والاستثمار وأسواق الأسهم والدين، دعم وتطوير قطاع التقنية المالية أو ما يعرف بـ "فنتك Fintech".
ويقصد بالتقنية المالية، توظيف التكنولوجيا الجديدة في تقديم الخدمات المالية، وكلمتي التقنية المالية هما، اختصار للمصطلح باللغة الإنجليزية Fintech والذي يحتوي أيضاً على كلمتين هما: Financial Technology.
بالنسبة للمملكة وبالتحديد في مجال تطور صناعة التقنية المالية، أظهر تقرير فنتك السعودية السنوي 2020 تسارع في وتيرة نمو هذه الصناعة، حيث قد ازدادت أعداد شركات التقنية المالية التي بدأت أعمالها التشغيلية بواقع 3 أضعاف في العام 2020 ليصل إلى 60 شركة بعد أن كان عددها 20 شركة في العام 2019، كما وكشف التقرير عن وجود أكثر من 100 شركة ناشئة في مجال التقنية المالية في مرحلة الفكرة أو مرحلة ما قبل إطلاق المنتج، فيما أشار إلى أنه من المتوقع أن تصل قيم المعاملات في قطاع التقنية المالية في المملكة إلى أكثر من 123 مليار ريال سعودي بحلول العام 2023.
هذا النمو الهائل في تعاملات التقنية المالية في المملكة كان نتاج تضافر جهود عدد من الجهات الحكومية التي تُعنى بتنظيم القطاع المالي في المملكة، كالبنك المركزي السعودي "ساما" وهيئة السوق المالية، وما يؤكد على ذلك منح "ساما" خلال العامين الماضيين تراخيص لثلاث عشرة شركة في مجالات تقنيات مالية متعددة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ خدمة التمويل الجماعي، وخدمة المدفوعات الإلكترونية، وخدمة المحافظ الإلكترونية، هذا بالإضافة إلى وجود 32 شركة تعمل بالبيئة التنظيمية التشريعية Sandbox. كما أن هناك 16 شركة رخصت من قبل هيئة السوق المالية لتعمل في مجالات مالية متعددة ضمن مختبر التقنية المالية التي منها: تمويل الملكية الجماعية، وخدمة المستشار الآلي ومنصة التداول الاجتماعي.
وكان لشركة فنتك السعودية، وهي مبادرة أطلقتها "ساما" بالشراكة مع هيئة السوق المالية في إبريل 2018، دور مهم للغاية لتحويل المملكة العربية السعودية إلى وجهة للابتكار في مجال التقنية المالية وإيجاد منظومة مزدهرة ومسؤولة، هذا بالإضافة إلى دعم تطوير البنية التحتية اللازمة لنمو مجال التقنية المالية في السعودية من خلال بناء القدرات والمواهب التي تتطلبها شركات الفنتك المالية ودعم رواد الأعمال في مجال التقنية المالية في كل مرحلة من مراحل تطورهم.
يذكر أن فريق منبثق من فنتك السعودية قد أجرى للمرة الأولى في مطلع العام الجاري مسحا على المستوى الوطني، شمل 2297 من الأفراد و237 من الشركات لقياس مستوى تبني واستخدام حلول التقنية المالية في السعودية ولفهم قدرة هذه الحلول على دعم الأفراد والشركات. ركز الاستطلاع على خمس مجالات ترتبط بالتقنية المالية، وهي: استخدام الأوراق النقدية، تبني أنشطة التقنية المالية، وعلاقات العملاء مع البنك، والخدمات المصرفية المفتوحة، وأهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG.
من أبرز نتائج المسح، قيام الغالبية باستخدام الأوراق النقدية بمقدار مرة في الأسبوع ولكن يستمر استخدام الأوراق النقدية بالانخفاض بتفاوت الفئات العمرية والمناطق.
ومن بين النتائج كذلك، قيام 3 من أصل 4 أفراد باستخدام حل واحد من حلول التقنية المالية على الأقل، مع وجود تفاوت حسب العمر ومستوى إجادة استخدام التقنية والمنطقة.
وعلى جانب زيارة فروع البنوك، فقد أظهرت نتائج الاستطلاع، قيام 2 من أصل 10 عملاء بزيارة فرع البنك، بينما حصل 93 % من العملاء على الخدمات البنكية إلكترونيا.
وبالنسبة لثقة العملاء بالبنوك، فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن 9 من أصل 10 عملاء البنوك، يثقون بعلاقاتهم الأساسية بالبنك، في حين يعتقد 84 % بأنهم يحصلون على خدمات عالية الجودة من البنك الخاص بهم.
وهناك أكثر من نصف الأفراد لديهم تحفظات بخصوص مشاركة بياناتهم من أجل الحصول على خدمة أفضل، ويبحثون عن حلول التقنية المالية التي يمكن أن تدعمهم بالمدفوعات والاستثمار والادخار.
أخيراً وليس آخراً، أظهرت نتائج الاستطلاع، أن 6 من أصل 10 عملاء يأخذون بعين الاعتبار أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركة عند اختيار مزود لخدمات التقنية المالية.
دون أدنى شك أن الجهود التي بذلت خلال السنوات القليلة الماضية، سواء على مستوى البنك المركزي السعودي أم على مستوى هيئة السوق المالية، بما في ذلك بقية الجهات الداعمة ذات العلاقة لتحقيق أحد أبرز أهداف رؤية المملكة 2030 الرامية إلى خلق مجتمع يعتمد على الحلول التقنية للتعامل مع الأموال وتقليل استخدام الأوراق النقدية، قد أتت بؤكلها وبثمارها المالية، سيما حين النظر على زيادة حصة المعاملات غير النقدية من 28 % في العام 2016 إلى 36 % في العام 2019 والتوجه إلى زيادة التعاملات غير النقدية إلى 70 % بحلول العام 2025.
رغم ذلك، أتطلع إلى عدم المبالغة في التحول الكامل (100 %) إلى التعاملات غير النقدية تجنباً لما حدث بإحدى الدول المتقدمة عندما تعطلت التعاملات المالية وأصيبت بشلل تام لساعات طويلة، بسب عطل في أنظمة المدفوعات الإلكترونية.
كما وأتطلع إلى جانب التركيز على تطوير المدفوعات الإلكترونية وحلول التقنية المالية، أن يكون هناك جهد موازٍ ومماثل يبذل على جانب تقوية الأمن السيبراني من جهة وتوعية المتعاملين من أنظمة المدفوعات المختلفة من جهة أخرى، وبالذات فيما يتعلق بأساليب وأنماط الاحتيال الإلكتروني وسبل الوقاية، كالتصيد الإلكتروني وهجوم رجل في الوسط الإلكتروني وغيرها من الأساليب الخبيثة التي يمارسها ضعاف النفوس للإيقاع بضحاياهم في شباك النصب والاحتيال المالي والمصرفي.
نقلا عن الرياض