ليس المقال هنا معنيا بتحديد استراتيجيات الاستثمار المثلى أمام الباحثين عن أفضل قنوات الاستثمار التي تجني لهم أعلى عوائد ممكنة، بقدر ما أنه يستهدف الكشف عن شكل من أشكال الخلل، التي بالإجابة عن السؤال المطروح أعلاه في عنوان المقال، سيصل بنا جميعا إلى منطقة من الأهمية بمكان أن يتم التعرف عليها، والكشف عن مؤشراتها وما تحمله من دلائل مهمة ومحورية، وبالتعرف عليها والتأكد من موثوقيتها سيكون ممكنا وسهلا أن نعمل جميعا على تصحيح أوجه الخلل إن وجدت، ونعزز من جانب آخر الركائز الأساسية اللازمة للاستقرار الاقتصادي، وتحقيق مزيد على طريق تطوير بيئة الاستثمار المحلية، وصولا بها إلى أعلى درجات التأهيل اللازم لدعم النمو الاقتصادي، وزيادة فرص العمل المجدية أمام مئات الآلاف من الموارد البشرية المواطنة.
معلوم أنه كلما ارتفعت الأرباح الممكن تحقيقها من أي قناة أو أداة استثمار، اقترن ذلك بارتفاع درجة المخاطرة المرتبطة بتلك الأرباح المحتملة، و أن من النادر جدا، إن لم يكن مستحيلا، الخروج عن هذه القاعدة في عالم الاستثمار، إلا أن ذلك لا يعني عدم إمكانية تحققه على أرض الواقع، بل قد تجده ممكنا ومتاحا في عديد من مجالات الاستثمار، بحال توافرت ظروف معينة يساعد ويهيئ وجودها على تحقق أمر كهذا، محولا ما كان مستحيلا بمنطق الاستثمار، إلى مجال رحب مشرع الأبواب أمام المستثمرين صغارا وكبارا. ولا عجب بعدئذ، إذا رأيت بقية المجالات الاستثمارية الأخرى المنافسة لهذا المجال الأعلى ربحية، والأدنى مخاطرة، قد انحرفت عنها رغبات المستثمرين، أو حتى بدأت بالانسحاب منها بعد أعوام طويلة "وهو الأمر الأعلى تكلفة اقتصاديا وتنمويا"، لتتجه مسرعة نحو هذا المجال الأعلى ربحية بمعدلات قياسية وغير مسبوقة.
وعلى ما سيشهده هذا المجال الاستثماري من إقبال وانتعاش منقطع النظير، إلا أنه في المقابل سيتزامن معه تصاعد وتيرة التحديات أمام بقية المجالات الاستثمارية الأخرى المنافسة، وقد تصل إلى نهاية طريق مسدود لا يمكن لها أن تتجاوزه، نتيجة الآثار العكسية التي عادت عليها من رالي الانتعاش المطرد في المجال الاستثماري الأوحد أعلاه، هل من أمثلة واقعية على ما يتم الحديث عنه هنا؟
نعم، سيتفق الجميع على أن الأرباح والعوائد المتحققة من المتاجرة والمضاربة والاستثمار في شراء وبيع الأراضي خلال الفترة الراهنة، قد وصلت إلى أعلى معدلات ربحية لا يمكن لأي مجال استثماري آخر أن ينافسه، وهو ما تثبته الارتفاعات القياسية التي سجلتها أسعار الأراضي خلال أقل من عامين ونصف العام الماضيين، تجاوزت في المتوسط معدل الـ 100 في المائة، ووصلت بالنسبة للأراضي في أنحاء المدن الرئيسة إلى أعلى من 600 في المائة "مخطط الخير في مدينة الرياض كأبرز مثال"، وبمقارنة تلك المعدلات القياسية للأرباح بدرجات المخاطرة أو التكلفة أو بهما مجتمعين، فإنها تكاد لا تذكر أمام هذا العطاء والسيل المتدفق من الأرباح القياسية.
نأتي الآن إلى وجه الخلل فيما سبق أعلاه، وما المؤشرات اللازم التنبه إليها؟ إنها المؤشرات التي تبين بتجاوز الآثار العكسية على بيئة الاستثمار بعد اتضاح جزء منها، كما سبق التطرق إليه، التي أصبحت تواجه شكلا من أشكال ضعف التدفقات الاستثمارية عليها، أمام الزيادة المطردة لاجتذابها من قبل المضاربة والمتاجرة على الأراضي ذات العوائد القياسية، ما تسبب بدوره في تقليص فرص اتساع وتنامي بقية المجالات الاستثمارية، إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد فحسب، بل امتد نتيجة الارتفاع المطرد لأسعار الأراضي وبمعدلات قياسية، إلى ارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج والعمل بالنسبة لتلك المجالات المصنفة أيضا على أنها القطاع المنتج من الاقتصاد الوطني، الذي كلما ارتفعت التدفقات الاستثمارية عليه، وارتفعت عوائده الدورية، ارتفعت مساهمته في النمو الاقتصادي، وتحسنت مستويات الدخل، وزادت قدرته على إيجاد وتوفير فرص العمل المجدية، وهي المجالات التنموية بالغة الأهمية التي لم ولن تتمكن عمليات المتاجرة والمضاربة على الأراضي بالمساهمة في أي من تلك المجالات بأي نسبة تذكر.
ولا تقف الآثار العكسية عند ما تقدم ذكره باختصار شديد أعلاه، بل إنها تمتد إلى التأثير سلبا في التكاليف المعيشية لأفراد المجتمع، بدءا من الارتفاع باهظ الثمن في أسعار تملك المساكن، وما يترتب عليه من تحمل أعباء سداد التمويل البنكي اللازم لإتمام شراء المسكن، وارتفاع نسب استقطاعه الشهري من دخل المشترين، مرورا بانتقال آثار الارتفاع غير المبرر لأسعار الأراضي إلى مستويات أسعار السلع الاستهلاكية والمعمرة والمنتجات والخدمات المقدمة من مختلف منشآت القطاع الخاص، التي اضطرت نتيجة ارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج والعمل عليها إلى رفع أسعار مبيعاتها للمستهلكين، وكل هذا ليس إلا جزءا يسيرا مما حملته مؤشرات الإجابة عن السؤال في عنوان المقال، كما سبق ذكره أعلاه، والتأكيد مجددا أن الغاية من طرح السؤال ليست لأجل التعرف على أفضل قنوات الاستثمار المتاحة خلال الفترة الراهنة، وكيف لسؤال كهذا لا يجد الإجابة الأسهل، وهي التي أصبحت حديث المجالس واللقاءات والحوارات اليومية على المستويات كافة، بل كانت الغاية من معرفة الإجابة، الوقوف على أوجه الخلل التي حملها وضع كهذا الذي نقف جميعا أمامه، وأبرز الانعكاسات السلبية الناتجة عنه على الاقتصاد الوطني وبيئة الاستثمار المحلية والقطاعات الإنتاجية والمجتمع، التي تقتضي سرعة أكبر على طريق معالجتها، وهو الأمر المتوافر بيد الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، ولا يتطلب أكثر من سرعة العمل على تنفيذه على أرض الواقع، وبأكفأ الجهود المتكاملة مع بقية الأجهزة الحكومية.
القطاع العقاري والسكني مثل اللحاف اذا غطيت رأسك بانت رجولك ، واذا غطيت رجلك اكشف راسك ، وهذا بسبب عدم اتساق بين الانظمة التشريعة بين القطاعات المختلفة ، ويجب اعادة هيكلة الانظمة والتشريعات بحيث تتسق وتسير نحو اتجاه واحد يسهل من خلاله اداره دفه الاقتصاد الوطني