دلالات مالية على تعافي الاقتصاد

12/08/2021 0
طلعت بن زكي حافظ

كشف التقرير الربعي لأداء الميزانية العامة للدولة للربع المالي الثاني من هذا العام (2021)، تحسناً ملحوظاً في جانب الإيرادات وفي جانب الإنفاق العام على حدٍ سواء، ما نتج عنه انحصار العجز المالي للربع بحدود مبلغ 4.6 مليارات ريال.

إن التحسن الذي طرأ على جانب إجمالي الإيرادات سواء كان ذلك على مستوى الربع الثاني من العام المالي الجاري والبالغة 248 مليار ريال مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي والبالغة 133,9 مليار ريال، وبنسبة نمو بلغت 85%، وأيضاً على مستوى النصف الأول من العام والبالغة 452,9 مليار ريال، مقارنة بنفس الفترة المماثلة من العام الماضي والبالغة 326 مليار ريال، وبنسبة نمو بلغت 39%، يؤكد على تعافي الاقتصاد السعودي نتيجة لعدة عوامل.

من بين العوامل التي ساهمت بشكلٍ فعال في التحسن الذي طرأ على إجمالي الإيرادات النفطية، سواء بالربع الثاني من العام المالي الحالي أم للنصف الأول، التحسن الذي طرأ على أسعار النفط العالمية التي كسرت حاجز الـ70 دولارا أميركيا بعد تراجع حاد استمر لمدة أشهر خلال العالم الماضي بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث قد وصل سعر بيع برميل النفط (برنت) إلى أقل من 10 دولارات أميركية خلال شهر إبريل من العام الماضي (2020).

وما ساهم أيضاً في تحسن إجمالي الإيرادات، النمو الواضح في إجمالي الإيرادات غير النفطية، التي نمت هي الأخرى خلال الربع الثاني والنصف الأول من العام الجاري بنسبة تجاوزت 100% مقارنة بالفترات المماثلة من العام الماضي، وذلك بسبب التحسن في الإيرادات المتولدة من الضرائب بأنواعها المختلفة، التي منها على سبيل المثال الضرائب الأخرى، التي بلغت في النصف الأول من العام الحالي 22,6 مليار ريال مقارنة بمبلغ 5,4 مليارات ريال لنفس الفترة من العام الماضي، محققة بذلك نسبة تغير تجاوزت الـ100%.

من المهم جداً الإشارة إلى أن التباين الظاهر في جانب الإيرادات غير النفطية الفعلية المتحققة للنصف الأول من العام المالي الحالي والتي بلغت 204,1 مليارات ريال مقارنة بالفترة الممثلة من العام الماضي والتي بلغت 101,5 مليار ريال، والذي يعزى سببه إلى الإجراءات التحفيزية التي اتخذتها الحكومة خلال العام السابق لدعم القطاع الخاص في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد والتي شملت الإعفاء والتأجيل لسداد عدد من الرسوم والضرائب.

وفي المقابل أظهرت أرقام الميزانية الفعلية سواء على مستوى الربع الثاني أو نصف العام الحالي ضبط في الإنفاق، حيث على سبيل المثال بلغت نسبة التغير في المنصرف الفعلي للنصف الأول من العام الحالي مقارنة بالمنصرف الفعلي للفترة المماثلة من العام الماضي (-1).

إن اللافت للانتباه، أن الإنفاق الفعلي للميزانية ركز بشكلٍ كبير على برامج شبكات الحماية الاجتماعية المختلفة بغرض التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والصحية لجائحة كورونا على المواطن الكريم من جهة وكذلك للتخفيف عليه من آثار انعكاسات الإصلاحات الاقتصادية. حيث على سبيل المثال من بين أبرز الأهداف النبيلة والسامية لبرنامج حساب المواطن، التخفيف على الأسر السعودية الأشد حاجة ومن ذوي الدخول المحدودة من أثر الإصلاحات الاقتصادية الناتجة عن المبادرات المختلفة (كتصحيح أسعار منتجات الطاقة وضريبة القيمة المضافة على الأغذية والمشروبات). وتشير المعلومات إلى أن عدد المستفيدين من برنامج حساب المواطن، المستوفين لمعايير الاستحقاق في الدفعة الثالثة والأربعين 10.5 ملايين مستفيد، في حين بلغ إجمالي ما دفعـه البرنامـج للمستفيدين منذ انطلاقته 97.7 مليار ريال.

دون أدنى شك أن الإصلاحات الطموحة الجارية في إطار رؤية المملكة 2030 لعبت دوراً رئيساً ليس فقط في الحد من الآثار السلبية لجائحة فيروس كورونا على الاقتصاد السعودي، وإنما أسهمت أيضاً في سرعة تعافيه.

برأيي أن استمرار جهود الإصلاح وضبط الإنفاق وتعزيز الإيرادات غير النفطية ومحافظة أسعار النفط العالمية على مستويات جيدة، لربما سيتقلص العجز المالي إلى أضيق الحدود هذا العام بأقل كثير ما هو متوقع للعام المالي الحالي بحدود 140,9 مليار ريال. بل ولربما أن ينتج عن ذلك فائض مالي في الميزانية، وبالذات لو شهدت أسعار النفط العالمية تحسنا أكبر مما شهدته خلال النصف الأول من العام الحالي، حيث وفقاً للمحللين والمراقبين العالميين والدوليين لأسعار النفط، يتوقع البعض أن تبلغ الأسعار في المتوسط 65 دولارا للبرميل في حين يتوقع البعض الآخر أن تصل إلى 100 دولار للبرميل بسبب دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة التعافي ما سينتج عنه زيادة مطردة على أسعار النفط، نتيجة للزيادة في الطلب والاستهلاك، وبالذات على مستوى وسائل النقل العالمية المختلفة، التي تستهلك نحو 65% من إنتاج النفط العالمي اليومي.

 

نقلا عن الرياض