قد لا يكون التذكير بأن جائحة كورونا هي الأقسى على الاقتصاد العالمي يأتي بجديد فالجميع عايش مراحلها منذ بدايتها العام الماضي التي أدت لحدوث أكبر إغلاق تاريخي بدول العالم أدى لدخول الاقتصاد العالمي وبكثير من الدول بحالة من الركود الحاد غير المسبوق بنوعية سببه فالعالم يواجه عدواً واحداً يتسلل بسهولة للمجتمعات وأدى لحالة من الظغط النفسي هائلة على البشرية مما أثر في سلوكهم في الإنتاج والعمل والإنفاق بعد أن تسبب بتقليص الأعمال بل توقف بعضها وفقد أكثر من 140 مليون إنسان وظائفهم وكذلك إفلاس مئات الآلاف من الشركات والمنشآت الصغيرة عالمياً واختلفت طرق تعامل الدول مع الأزمة بحسب قدراتها وخبراتها ولعل مجموعة العشرين الأكبر اقتصادياً بالعالم كانت هي الأفضل أداء وأيضاً من حمل لواء إنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال مبادراتها لدعم اقتصادياتها مما أعاد الطلب على السلع للتحسن المقبول دولياً إضافة لمبادرات دعم الدول الفقيرة وأيضاً لعبت المملكة من خلال رئاستها للمجموعة بالعام الماضي دوراً مهماً بتنسيق الجهود بين الأعضاء لاحتواء أزمة كورونا صحياً واقتصادياً باعتماد إنفاق على برامج ومبادرات من كافة دول المجموعة تخطت 11 تريليون دولار كما قادت المملكة منتجي النفط من أوبك والمنتجين من خارجها لأكبر وأهم اتفاق أنقذ صناعة النفط ودعم نمو الاقتصاد العالمي بعد أن انهارت الأسعار مع تراجع حاد بالطلب نتيجة تعطل الكثير من أعمال الناس وبقائهم بمنازلهم.
وعلى المستوى الداخلي قدمت المملكة مبادرات فاقت تكلفتها 220 مليار ريال بخلاف ما اعتمد للقطاع الصحي لاحتواء آثار أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني والتهيئة للعودة للنمو مجدداًً مع أولوية صحة وسلامة سكان المملكة وبعد عام ونصف العام من العمل بدأت تظهر النتائج الإيجابية تباعاً لكل ما تم من إجراءات بالإضافة لأثر الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت منذ خمسة أعوام مع اعتماد رؤية 2030 وقد أعلنت قبل يومين نتائج الميزانية العامة للدولة في الربع الثاني ولإجمالي النصف الأول التي شهدت تحسناً كبيراً بأرقام الإيرادات وانخفاضاً كبيراً بالعجز قياساً بحجم المصروفات حيث بلغ العجز 12 مليار ريال إذ بلغت الإيرادات 452 ملياراً والمصروفات 464 مليار ريال وفي الربع الثاني كانت الإيرادات 248 والمصروفات نحو 253 وقد نمت الإيرادات بنسب كبيرة بعد ارتفاع أسعار النفط رغم تراجع الإنتاج نتيجة للالتزام باتفاق أوبك + بينما نمت الإيرادات غير النفطية بأكثر من 200 في المائة من 38 مليار لنفس الفترة من العام الماضي الى 115 مليار ريال وبذات الوقت حقق الاقتصاد الوطني أول نمو بالناتج الإجمالي منذ بداية الجائحة بمقدار 1.5 في المائة ونما القطاع غير النفطي بنحو 10 في المائة مع بداية تأثير برامج دعم القطاع الخاص التي شملت عدداً كبيراً من المبادرات لتخفيف أثر هذه الأزمة الكبيرة بتداعياتها.
فبداية التعافي الاقتصادي والعودة للنمو تمثل مرحلة مهمة لانطلاقة جديدة للنمو مجدداًً مع أن التحوط والحذر ما زال قائماً ومن الواضح أن الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي تراقب وتتابع كل تطورات الاقتصاد العالمي تحديداً تحسباً لأي انتكاسة محتملة لأن خطر عودة تفشي الجائحة من جديد بوتيرة مختلفة وسريعة لم ينته فاللقاحات عالمياً ما زالت نسبتها 22 في المائة وهذا الانخفاض يعود لضعف توزيع اللقاحات في الدول الفقيرة عموماً وأيضاً كون إنتاج اللقاحات لم يصل للمستوى المطلوب لتلبية الطلب الكبير عليها بينما محلياً فالإجراءات الصحية والاحترازية تؤتي ثمارها بسيطرة على الوضع الوبائي وعدم تفشيه وتشهد الأيام الحالية تراجعاً بالمنحنى للإصابات المسجلة مع ارتفاع كبير بعدد جرعات اللقاح المعطاة ااتي تخطت 30 مليون جرعة وغطت أكثر من 20 مليوناً من سكان المملكة بنسبة تخطت 55 في المائة ومع الانضباط والتدرج بإعادة الأنشطة الاقتصادية لوضعها السابق قبل الجائحة واستقرار أسعار النفط فوق 65 دولاراً لأغلب أوقات هذا العام ووصولها لنحو 77 دولاراً فإن قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق معدلات نمو جيدة تبدو ممكنة حتى الوصول لمرحلة الخروج من الجائحة دولياً التي تحتاج لعدة شهور قادمة مما قد يشجع عودة ضخ الاستثمارات بوتيرة أسرع مع دعم كبير من خطط إنفاق الدولة وكذلك صندوق الاستثمارات العامة مما يسهم بخفض معدلات البطالة بنسب أفضل من التوقعات إضافة لزيادة بالناتج الإجمالي وتحقيق نتائج أفضل للموازنة العامة من حيث ارتفاع الإيرادات وتقليص العجز المتوقع الذي قد يقل كثيراً عن 100 مليار ريال بنهاية العام قياساً بنحو 141 مليار كانت متوقعة حسب تقديرات الإيرادات والمصروفات عن اعتماد موازنة 2021 بإنفاق 990 مليار وإيرادات عند 849 مليار ريال.
مرحلة جديدة يدخلها الاقتصاد الوطني في بداية رحلة التعافي مصحوبة بيقظة وحذر من أي تطورات دولية سلبية مع ميل لترجيح كفة الإيجابية المحتملة لوضع الاقتصاد العالمي مما يعني زخماً أكبر بوتيرة نمو الاقتصاد الوطني واستكمال برامج رؤية 2030 والتنافسية على جذب الاستثمار لاقتصاد تعافى سريعاً وبواقع قوي من حيث الإمكانات والخبرات بالتعامل مع الأزمات واقتناص الفرص خلالها واحتياطيات مالية كبيرة تم الحفاظ على متانتها رغم ضخامة الأزمة عالمياً وتبعاتها غير المسبوقة.
نقلا عن الجزيرة