ديوان الحب جمال الجسد وجمال الروح

08/08/2021 0
عبدالله الجعيثن

أكثر دواوين الحب عند العرب من شعر الحواس ، أوصاف لجمال الوجه والقوام، أما الشعر الذي يجمع مع ذلك عواطف السمو والحنان فشُبه قليل، والسبب الحرمان وبيئة الصحراء المادية التي جعلت الحواس حادّة في سبيل البقاء.

وفضّلنا كلمة (الحب) في العنوان على كلمة (الغزل) ليتجلى الفرق بين حب الجسد فقط وحب الروح والجسد معًا، فالاقتصار في شعر الغزل على حب جسد المرأة فقط سائد في تراثنا وأوضح نماذجه غزل امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة ومحسن الهزاني ونزار قباني الذي أسرف في ذلك.

وربما ترتب على هذا الغزل المادي حرصُ كثير من النساء على المال والمظاهر، في تبادل للمنافع أقرب لرد الفعل من الشعور الأصل لدى المرأة المشتاقة بالفطرة للحنان والاحترام ودوام الحب في كل الأحوال والأزمان، فطالما كان الرجل لا يهتم إلا بجمال الوجه والقوام وميعة الصبا والشباب فربما دفع ذلك المرأة لاستغلال هذا الحب (المشروط الموقوت) لأنها تعلم أنّ الجمال يدول والشباب يزول، فقد تستغل هذه الفترة الذهبية الفاتنة للرجل في تحصيل أكبر المكاسب المالية والمبالغة في الزينة والمكياج والعطور والمظاهر والجواهر والفساتين لتأمين المستقبل وتحقيق ما يريد هذا الرجل وزيادة تعلقه واستسلامه للمطالب قبل فوات الأوان، ولو أرهق هذا جيبه وركّبه ديوناً وجعله ينفر منها في نهاية الأمر، فمع شدة اهتمام الرجل، شاعرًا أو غير شاعر، بجمال المظهر فقط ربما زاد اهتمام بعض النساء بالمظاهر لحد الهوس حتى تبرق الأحلام في الرأس بريق الأنوار في لاس فيجاس، وعلى الرجل، طالما كان همه مظهرها الخارجي فقط أن يدفع غالي الأثمان.

هذا طبعًا ليس في كل الأحوال ولا يعني إغفال الجمال فهو أكسجين الشعر وساحر الرّجال، إنما يعني الاهتمام أيضًا بجمال الروح والأخلاق.

هناك بالمقابل كثيرٌ من الرجال، شعراءَ وغير شعراء، يهتمون بكل مقوّمات الجمال بما في ذلك الروح والأخلاق، وإن قلّ هذا نسبيًا في مرحلة الشباب الفائرة بالشهوة المفتونة بالجمال الظاهر المحسوس الغافلة عما عداه إلى حين.

كما أن المرأة تعرف في كثير من الأحيان كيف تجمع بين جمال الشكل والروح دون إسراف أو إرهاق للرجل، فهي تعلم أنّ رِقة عواطف المرأة تملك قلب الرجل وتعرف كيف تضمن حبه بالحرائر والعطور وتُديمه بالرّقّة والمرح والصوت الحنون، خاصةً إذا مسّها الحب بجناحه المسحور فإنها تصير أكثر عطاءً وإخلاصًا وتضحية من كل الرِّجال، فإذا كان الحبُّ فصلًا في حياة الرجل فهو في حياة المرأة العمر كله وجميع الفصول.

ونقدّم باقة شعر فيها ألوان الجمال:

إِن تَكُ لُبنى قَد أَتى دونَ قَربِها

حِجابٌ مَنيعٌ ما إِلَيهِ سَبيلُ

فَإِنَّ نَسيمَ الجَوِّ يَجمَعُ بَينَنا

وَنُبصِرُ قَرنَ الشَمسِ حينَ تَزولُ

وَأَرواحُنا بِاللَيلِ في الحَيِّ تَلتَقي

وَنَعلَمُ أَنّا بِالنَهارِ نَقيلُ

وتجمعُنا الأرضُ القرار وفوقنا

سماءٌ نرى فيها النجومَ تجولُ

(قيس بن ذريح)

صافيةً أراكِ يا حبيبتي كأنما كبرتِ خارجَ الزمانْ

وحينما التقينا يا حبيبتي أيقنتُ أننا مفترقانْ

وأنني سوف أظلُّ واقفاً بلا مكانْ

لو لم يُعدني حبُّكِ الرقيقُ للطهارة

فنعرفُ الحبَّ كغصنيْ شجرة

كنجمتين جارتينْ

كموجتين توأمينْ

مثل جناحَيْ نورسٍ رقيقْ

عندئذٍ لا نفترقْ

يضمُّنا معاً طريقْ

يضمُّنا معاً طريقْ

(صلاح عبدالصبور)

يا حبيبي شرهة العاشق كبيره

كل ما زاد الغلا زاد العتابْ

القليله من هوى بالي كثيره

والكثير من الذي غيره هباب

تحسب إن جروح مفتونك صغيره

جرح قلبي من هوى قلبي عذاب

انكسر جناح قلبي في مطيره

والجناح إلى انكسر بالطير عاب

والليالي يا قمر ليلي قصيره

لا يضيع العمر في طرد السراب

أشتكي، وجروح قلبي من عشيره

يا عشير القلب في قلبي صواب

(خالد الفيصل)

حلُمْت بكِ الدنيا وغنّت أنجُمُ الليلِ المُطِلَّة

أغمضتُ أجْفاني عليكِ أضُمُّ فيكِ العُمْرَ كُلّه

وربِّكَ أنت المنى والطلبْ

وأنتَ المُراد وأنت الأرب

ولي فيك يا هاجري صبوةٌ

تحيّر في وصفها كل صبّْ

ويُعجبني فيك حُسن القوام

ولينُ الكلام وفرطُ الأدبْ)

(لم ينسنيكَ سرورٌ لا ولا حَزَنٌ

وكيف يُنسى لعمري وجهك الحسَنُ؟

وما خلا منك قلبٌ لي ولا بدنٌ

كُلِّي بكلك مشغول ٌ ومُرتَهَنُ

نورٌ تجسّم من شمسٍ ومن قمرٍ

حتى تكاملَ منهُ الروحُ والبدنُ

(عُلية بنت المهدي)

إنّي بُليتُ بشادنٍ"بلواهُ عندي تُستحَبُ

فإذا بلوتُ طِباعَهُ" فالماءُ يُشربُ وهو عذْبُ

وقَصارُ وصفي أنّهُ "فيما أُحِبُّ كما أُحِب

(حسين الضحاك)

قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي

روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ

لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي

لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي

ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ

في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف

فلَئِنْ رَضِيتَ بها فقد أسعَفْتَني

يا خَيبَة المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ

يا مانِعي طيبَ المَنامِ ومانِحي

ثوبَ السّقامِ بِهِ ووَجْدِي المُتْلِفِ

عَطفاً على رَمقي وما أبقَيتَ لي

منْ جسميَ المُضْنى وقلبي المُدَنَفِ

إن لم يكن وْصلٌ لدَيْكَ فعِدْ به

أَمَلي وَمَاطِلْ إنْ وَعَدْتَ ولا تفي

فالمَطْلُ منكَ لدَيّ إنْ عزّ الوفا

يحلو كوَصَلٍ من حبيبٍ مُسْعِفِ

أهْفُو لأنفاسِ النّسِيمِ تَعِلّةً

ولوَجْه مَن نقَلَتْ شَذَاهُ تشوّفي

فلَعَلّ نارَ جوانحي بهُبُوبِها

أن تنطَفي وأوَدّ أن لا تنطَفي

(ابن الفارض)

وعاد مركبي لشاطئ الهنا

أنت به الملاك وأنا به أنا

أنا به لولاك ما كنت هنا

نبقى على الشُطآن وننثر المُنى

(محمد بن ناهض القويز)

من هو حبيبك غايتي بس أهنيه

على حسن حظه عشانه حبيبك

أنا أشهد إن الله يحبه ومعطيه

اللي هداك الرب تصبح نصيبه

(سعود بن بندر)

 

نقلا عن الرياض