صناعة الرياضة السعودية

03/08/2021 0
فضل بن سعد البوعينين

لم تعد الرياضة هواية ووسيلة من وسائل الترفيه، بل تحولت إلى صناعة تقوم على أسس علمية متخصصة في الترفيه والاقتصاد والإعلام والسياسة، تسهم في التنمية البشرية والاقتصادية، وتعزز العلاقات الإنسانية.

أصبحت الرياضة من ركائز التنمية البشرية والاقتصادية، ومن أدوات حماية المجتمع وتحصينه من الأفكار الهدامة، والانحرافات المدمرة، إضافة إلى قدرتها على رسم صورة ذهنية متميزة عن الدول والشعوب، ومد جسور التواصل وتعزيز الأنشطة الاقتصادية وفي مقدمها قطاعا السياحة والترفيه.

ومن هذا المنطلق، اهتمت رؤية 2030 بالقطاع الرياضي، وأخذت الدولة على عاتقها تشجيع الرياضات بأنواعها من أجل تحقيق نتائج رياضية متميزة على الصعيدين المحلّي والعالمي.

ومنذ إطلاق الرؤية، شهد القطاع الرياضي إصلاحات نوعية وضخ ميزانيات ضخمة لاحتضان منافسات عالمية وتحفيز الأنشطة الرياضية المختلفة، ومعالجة ديون الأندية من أجل تحقيق الاستقرار المالي المعزز للنتائج الإيجابية والمحقق للأهداف الطموحة.

هناك جهود مكثفة تبذل للارتقاء بالقطاع الرياضي، وتحقيق النتائج الإيجابية على المستويين الإقليمي والعالمي، غير أن نتائج المشاركة السعودية في أولمبياد طوكيو لم تكن مرضية، كما أن إعادة هيكلة القطاع لم تحقق تطلعات القيادة وطموح المواطنين.

فما زلنا بعيدين عن أهداف الرؤية الإستراتيجية ذات العلاقة بصناعة الأبطال، وتحقيق النتائج الرياضية المتميزة، ويمكن أخذ مشاركة المملكة في الأولمبياد كمؤشر قياس للأداء، والبرامج المنفذة. مقارنة نتائج الفرق السعودية بنتائج بعض الدول الأقل إمكانات، على المستوى المالي والتعداد السكاني والبنى التحتية يُرجح وجود خلل في الفكر الإداري، والرؤية الإستراتيجية والبرامج المنفذة، فالعبرة ليست في حجم الإنفاق بل في كفاءته وتعظيم المنفعة من المخصصات المالية السخية التي قدمتها القيادة دعما للرياضة، والتي لم يُشهد لها مثيل عبر التاريخ.

أجزم أن ما أنفق على أندية كرة القدم خلال عام واحد كان من الممكن أن ينشئ قاعدة لأبطال المستقبل، ويسهم في تحقيق نتائج متميزة في المنافسات الدولية. أموال ضخمة ذهبت لسداد ديون الأندية التي عادت كما كانت عليه من قبل في غياب الحوكمة والرقابة والمساءلة. فهم الأندية الأول هو كرة القدم، مع إغفال تام للألعاب الأخرى، وهذا جزء أصيل من المشكلة.

اتفق مع من يؤمن بأن صناعة الأبطال تحتاج لفترة طويلة، واختلف معهم في زمن الانتظار الذي يتجاوز، وفق منظورهم، ثلاث بطولات أولمبية!، وخاصة أن المملكة لم تبدأ من الصفر بل يفترض أن تكون لدينا قاعدة أولمبية وصناعة رياضية نجحت من قبل في تحقيق ميداليات أولمبية وإن كانت محدودة. قد يكون للعمل الإداري دور في تفريغ الخبرات، ومسح المكتسبات، وإلغاء الإستراتيجيات السابقة بدلاً من التعديل عليها وتطويرها لضمان الاستدامة والمحافظة على قاعدة الانطلاق. يتسبب التحول الإستراتيجي المتكرر في كثير من المشكلات، ويضعف النتائج المرتقبة، ولا يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية التي يفترض ثباتها وإن تعاقبت الإدارات عليها.

صناعة الرياضة الوطنية مشروع دولة، وليس مؤسسة رياضية، ما يستوجب ثبات الإستراتيجية، ومواصلة العمل وإن تغيرت الإدارات، فهي أشبه بسباق التتابع الذي يسلم فيه كل متسابق الراية لمن بعده حتى اكتمال المهمة.

يفترض أن تكون مخرجات أولمبياد طوكيو سبباً في إعادة تقييم القطاع الرياضي عموماً وفق إمكاناته الحالية واحتياجاته المستقبلية ومواءمتها مع متطلبات رؤية 2030 .

ويفترض أن ترتكز الأهداف الأولية على البنى التحتية في القطاع والتوسع في ضخ الاستثمارات فيها، ثم إعادة هيكلة الأندية والعمل على استكمال برامج خصخصتها، وتطبيق الحوكمة والمساءلة والكفاءة المالية، وتطبيق الاحتراف الإداري والتوسع في إنشاء الأكاديميات الخاصة، وبذر نواة الألعاب الفردية في قطاع التعليم الأولي، وتطبيق البرامج والتقنيات الحديثة لصناعة الأبطال، والاعتماد على الخبرات العالمية القادرة على تحويل الرياضة إلى صناعة تسهم في التنمية المجتمعية والاقتصادية والاستثمارية وتحقيق أهداف جودة الحياة.

 

نقلا عن الجزيرة