مقترحات لتطوير الاستقطاع التقاعدي

02/08/2021 1
د.صالح السلطان

تسعى الدول من خلال أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية عامة، إلى تحقيق مقاصد اقتصادية واجتماعية وإنسانية على المستويين الاقتصاديين الجزئي والكلي، ومستوى الأعمال وأصحابها، والأفراد المؤمن عليهم. وأهم مقصد توفير معاش تقاعدي. وأهم أداة الاستقطاع من دخل الطرفين صاحب العمل والعامل. ويعد أحد أشكال الادخار.

أمام تحقيق تلك المقاصد مشكلة العجز الذي تعانيه أنظمة التقاعد في العالم. مع تفاوت في حدة المشكلة، وكيفية تخفيفها. وتتبع مشكلة العجز مشكلة أخرى، وهي تدني المعاشات التقاعدية لفئات.

كيف تتصرف الدول لمواجهة هذه المشكلات؟ ما علاقة ذلك بنسب ومدد الاستقطاع وأوزانها؟ إن محاولة أجوبة هذه الأسئلة ليست سهلة؛ بل تلفها تعقيدات وجوانب كثيرة ومتطلبات.

هنا أطرح مقترحات متركزة في أربعة: الأول، تعديل نسب الاستقطاع للمعاش لتكون تصاعدية بما يسهم في تخفيف المشكلات، مع مراعاة ذوي الدخول المنخفضة. والثاني، إلزامية الاشتراك على الجميع. والثالث، تقليل ميزات التقاعد المبكر. والرابع، زيادة المعاشات التقاعدية المنخفضة وفق ضوابط.

الطرح لا ينتقص من جهود التأمينات الاجتماعية، بل الهدف الدفع نحو تحقيق مزيد من الإنجازات.

فيما يخص المقترح الأول: تعديل نسب الاستقطاع، فإن الوضع القائم أن نسبة الاستقطاع ثابتة سواء من صاحب العمل أو من أجر المؤمن عليه. وهنا ينصب الاقتراح على تعديل هذا الوضع القائم. مقترح أن تكون نسب الاستقطاع تصاعدية حسب تصاعد الأجر ومدة الاشتراك.

العاملون الذين يقل أجر الواحد منهم عن حد أدنى، لنقل مثلا خمسة آلاف شهريا فأقل، يقترح أن يستقطع من الواحد نسبة تقل عما هو متبع حاليا. ثم تزيد نسب الاستقطاع مع مرور الوقت، مع مراعاة حدود أعلى للزيادات وفق شرائح واعتبارات. ولتسهيل الفهم أضرب المثال التالي:

يستقطع من أجر موظف لنفترض 7 في المائة من أول خمسة آلاف من راتبه. ثم يستقطع 8 في المائة مما زاد على خمسة آلاف بحد أقصى عشرة آلاف. ثم يستقطع 9 في المائة مما زاد على عشرة آلاف بحد أقصى 15 ألفا. ثم يستقطع 10 في المائة مما زاد على 15 إلى 20 وهكذا. ويكون هناك حد أعلى للاستقطاع مثلا 12 في المائة.

وتزاد نسب الاستقطاع السابقة 1 في المائة بعد مضي كذا عام في الخدمة، مثلا كل عشرة أعوام. وفي كل الأحوال يكون هناك حد أعلى للاستقطاع مثلا 14 في المائة.

المقترح الجوهري الثاني: جعل الاشتراك إلزاميا على الجميع، بما يعني إلغاء الاختياري.

حسب المادة الرابعة من نظام التأمينات، يطبق فرع المعاشات بصورة اختيارية على المواطنين السعوديين المشتغلين بالمهن الحرة، أو الذين يزاولون لحساب أنفسهم، أو بالمشاركة مع غيرهم نشاطا تجاريا أو صناعيا أو زراعيا أو في مجال الخدمات، وعلى الحرفيين، والسعوديين الذين يعملون خارج المملكة دون أن يكونوا مرتبطين بعلاقة عمل مع صاحب عمل مقره الرئيس داخل المملكة، وذلك وفقا لما تحدده اللائحة من أحكام.

هناك احتمال كبير أن يصبح بعض كبار السن في وضع صعب حال كونهم لم يشتركوا أصلا. ومتوقع زيادة عدد هؤلاء مستقبلا نتيجة أمرين: الأول، جهود التوطين ومكافحة التستر الدالة على نمو كبير مستقبلي في عدد من تنطبق عليهم المادة الرابعة. والثاني، التغيرات في الأوضاع الأسرية والاجتماعية مع التطورات التي نشهدها في حجم الأسر والعلاقات والترابط بين الأسر وما إلى ذلك.

لذا يقترح جعل تطبيق فرع المعاشات إلزاميا على الجميع. وينظر في طرق لمساعدة المحتاجين الذين يعملون لحسابهم، لكن دخولهم حسب الظاهر بسيطة.

المقترح الثالث: تطبيق المقترحات السابقة ينبغي أن يتزامن معه تقليل نسبي في ميزات التقاعد المبكر عبر إعطاء وزن أكبر لأعوام الخدمة المتأخرة. مثلا، في احتساب المعاش بناء على مدة الخدمة، تعطى أوزان أكبر لأعوام الخدمة بعد خدمة 25 عاما أو نحوها. وتزيد أهمية هذا المقترح مع التوجه نحو زيادة سن التقاعد القانونية وتقليل التقاعد المبكر.

المقترح الرابع: النظر بقوة نحو تحسين وزيادة المعاشات التقاعدية المتدنية، وفق اعتبارات ومعايير. وتنفيذ ذلك له علاقة ويتطلب تنسيقا مع جهات، كالضمان الاجتماعي ودعم الجهات الخيرية. وللأمر تفاصيل لا يتيح المقام الدخول فيها.

ومقترح أخير. من تقاعدوا قبل السن القانونية للتقاعد، وحصلوا على معاشات كافية لتأمين حياة كريمة، ثم عادوا للعمل قبل بلوغ سن التقاعد القانونية، ولم يرغبوا في إعادة الاشتراك، فمفترض أن لهم الحق في ذلك سواء بصورة مطلقة أو تحت اشتراك جزئي، ودون أن تكون لذلك نتائج سلبية، كعدم احتسابهم ضمن التوطين. ويوضح كل ذلك بلغة صريحة مفهومة.

الخلاصة: السعي نحو مراجعة بعض بنود قوانين حالية بما يساير التطور والمستجدات. ومن سمات قوانين التأمين الاجتماعي، أنها تتطور باستمرار لتواجه التطورات في الحياة ومتطلباتها. ومن المهم جدا التدرج في التطبيق.

 

 

نقلا عن الاقتصادية