وصولا إلى الهدف النهائي المتمثل في كبح تشوهات السوق العقارية المحلية في الأجلين القصير والمتوسط، والقضاء عليها نهائيا في منظور الأجل الطويل، يجب التأكيد في هذا الاتجاه على الأهمية القصوى لتحقيق المستهدفات الثلاثة الرئيسة لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية. والتأكيد أيضا أن تلك المستهدفات تشكل في مجملها معايير أداء الأجهزة الحكومية المسؤولة عن تحقيق هذا المتطلب التنموي - تنظيم السوق العقارية - التي بناء عليها يتم دوريا مراجعة وقياس ما طرأ من تطورات على أرض واقع السوق العقارية المحلية.
يشكل اعتماد تلك المستهدفات الثلاثة الرئيسة المشار إليها أعلاه كمعايير أساسية لقياس الأداء، نافذة بالغة الأهمية على مستوى الرؤية الشمولية لأوضاع السوق العقارية المحلية، التي ستتيح رؤية واضحة ودقيقة إلى حد بعيد جدا لجميع الأطراف ذات العلاقة بالسوق العقارية، وبناء على نتائجها المتحققة يمكن فهم وتحديد وقياس جميع ما تم إنجازه على طريق إصلاح وتطوير السوق، كما سيسهم الاعتماد على تلك المستهدفات الرئيسة كمعايير لقياس الأداء في إزالة أكبر قدر ممكن من الغموض والضبابية المحيطة بكثير من المفردات والمصطلحات التي طالما يتم استخدامها لقراءة وفهم وتحليل وتشخيص أوضاع السوق، كعبارات "توازن العرض والطلب، مناسبة الأسعار لقدرة المستهلكين، تحقق مبادئ المنافسة في السوق، انحسار الممارسات الاحتكارية من عدمها، انحسار التعاملات المضاربية، قياس حجم الطلب على الأراضي والعقارات ... إلخ"، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تصحيح أغلب المفردات والمفاهيم غير الدقيقة، التي طالما تم توظيف نشرها لخدمة أغراض ومصالح ضيقة في بيئة السوق، عدا ما قد تتسبب فيه من تضليل لقرارات كثير من الأطراف ذات العلاقة بالسوق العقارية.
من الأمثلة الواضحة على ذلك: التفسير المضلل للارتفاع المطرد لأسعار الأراضي والعقارات، بأنه نتيجة لارتفاع حدة الطلب، لكن حينما يتم الاعتماد على مسطرة المعايير المشار إليها أعلاه، سنكتشف جميعا أن الارتفاع المطرد للأسعار تقف خلفه عوامل أخرى أكثر تأثيرا، وأن حجم الطلب المذكور هنا يقف في نهاية تلك العوامل الرئيسة، بل إنه بالبحث في التفاصيل الدقيقة لحجم الطلب والمكونات التي تشكله سنكتشف جميعا أن خطأ فادحا تم الوقوع فيه دون وعي تام من قبل الأطراف كافة، وأن التضخم الراهن وغير المبرر للأسعار ليس إلا إحدى نتائجه. والأمر ينطبق أيضا على جانب العرض الذي طالما رصت مفردته بجانب الطلب في عبارة: "السوق عرض وطلب"، دون أي تحليل دقيق لما يتشكل منه هذا العرض، ودون السؤال عن أسباب محدودية هذا العرض من الأراضي تحديدا، ولماذا تجد السوق دائما من يشتري مهما كان مستوى الأسعار؟
بتفكيك مكونات الطلب على الأراضي والعقارات، وأنه يتشكل من فريقين رئيسين، الفريق الأول: المتمثل في كبار المستثمرين وملاك الأراضي والمضاربين، الذين يتفوقون كثيرا من حيث القدرة الشرائية ولا توجد قدرة شرائية أخرى تنافسها إلا الجهات الحكومية وشبه الحكومية، وتنحصر أهدافهم الشرائية في الاكتناز طويل الأجل للأصول العقارية المشتراة، أو بهدف المضاربة قصيرة الأجل ومن ثم البيع لاحقا بأسعار أعلى. بينما يتمثل الفريق الثاني: من الأفراد المستهلكين النهائيين، الذين تنحصر أهدافهم في شراء أرض ومن ثم استخدامها لأجل البناء وامتلاك المسكن، أو شراء منتج عقاري سكني مكتمل البناء، والاعتماد في تمويل ذلك الشراء إما على الادخار طويل الأجل - الأقل حدوثا -، أو على الاقتراض البنكي ومن ثم الالتزام طويل الأجل بسداد مستحقاته. يوضح هذا التمييز الغائب تماما عن المعرفة الحقيقية لحجم الطلب أين تكمن القوة الحقيقية للطلب، وأنها تتركز بدرجة عالية من حيث القوة والقدرة والتأثير لدى الفريق الأول - كبار المستثمرين وملاك الأراضي والمضاربين -، وأن قوتهم الشرائية هي المحرك الأكبر للطلب، ثم يأتي في مرتبة متأخرة الطلب الاستهلاكي النهائي المتشكل بأكمله من الأفراد والأسر ذوي القدرات الشرائية الأدنى مقارنة بقدرة الفريق الأول، ولهذا تأثرت بقوة بمجرد زادت أمامها تسهيلات الحصول على التمويل العقاري اللازم، ومنح مزيد من فرص رفع الأسعار سوقيا على الفريق الأول الذي يشكل أيضا القوة الأكبر في جانب العرض، كما سيأتي إيضاحه.
وبالنسبة لجانب العرض توضح البيئة الراهنة للسوق العقارية المحلية أنه يتشكل أيضا في أغلبه من كبار المستثمرين وملاك الأراضي والمضاربين، ولعل من أبسط دلائل إثباته ما سبق الاستشهاد به في الجزء الأول من المقال، بالسرعة الفائقة لإنهاء الوقت المحدد للمزادات العقارية التي يتم تنظيمها، وكيف أنها تنتهي خلال أقل من ساعة واحدة فقط، رغم أن حجمها قد يتجاوز مليارات الريالات، نظير القدرة الشرائية الهائلة لدى المكتنزين والمضاربين، وعدم توافر أي شكل من أشكال المنافسة لدى الأفراد المستهلكين النهائيين مقابل تلك القدرة الشرائية الكبيرة جدا.
بناء عليه يتأكد للجميع أن الطرف الأكبر والمؤثر في جانبي العرض والطلب يتمثل في كبار المستثمرين وملاك الأراضي والمضاربين، وأن الطلب الاستهلاكي النهائي - الأفراد والأسر - لا يتعدى كونه خاضعا للقوة المتحكمة في العرض والطلب، وهي الصورة التي تشكل مفهوم المزاحمة العقارية واجبة الكبح، وبذل الجهود اللازمة والكافية للقضاء عليها من قبل جميع الأطراف الإشرافية والرقابية على السوق العقارية المحلية. هنا تأتي الأهمية القصوى لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي متى تم تنفيذه كاملا على مستوى جميع المدن والمحافظات، وبما يشمل جميع الأراضي الخام والمطورة، ووفق آليات تقييم تأخذ في الحسبان الأسعار السوقية المرتفعة للأراضي عند احتساب تكاليف الرسوم واجبة الدفع، وتجنب آليات التقييم البعيدة عن واقع تعاملات السوق التي تخفض قيمة الأراضي بنسب قد تصل إلى أعلى من 90 في المائة مقارنة بأسعارها السوقية، وبما يتسبب في إضعاف تأثير نظام الرسوم في الأراضي، كما تتأكد أهمية ضخ مزيد من الأنظمة والإجراءات التي تحافظ على توافر الفرص العادلة أمام الطلب الاستهلاكي النهائي، وتوفر له الحماية اللازمة من الوقوع تحت سيطرة القوى الأكبر في السوق العقارية - كبار المستثمرين وملاك الأراضي والمضاربين -، ومن التأثر سلبا بالأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية التي اتضح للجميع بعدما تقدم تفصيله، أنها في الأغلب ليست إلا نتيجة لسيطرة القوى الأكبر في السوق على كل من العرض والطلب على حد سواء.
نقلا عن الاقتصادية
الأجهزة الحكومية يجب أن لا تتدخل فى نشاط الأسواق إلا بأقل القدر المطلوب. هذه ركيزة وقاعدة الإقتصاد الحر الذى تتبناه الدولة والدول الواعية. الذى يحدد سعر أى سلعة وضبط مسارها هو العرض والطلب والمنافسة الحرة. وليست الأجهزة الحكومية وموظفيها. تحياتى أخى !