ماذا تفعل عند الإحساس بالقلق وهشاشة المستقبل؟

25/07/2021 0
د. محمد آل عباس

هناك كثير من الخوف والقلق بشأن الاقتصاد العالمي، فنار التضخم تشتعل في جبال من الدين العالمي مع وباء لم يعرف علاجه وموت تتسارع أرقامه، وأسر أدمنت القروض. يتحدثون عن الفقر وهم يهدرون الطعام، بينما يشاهدون ظواهر طبيعية غير مستقرة، فحرارة الصيف تطبخ المحار على صخور كندا، ويواجه الألمان فيضانات تاريخية تنهار الأرض من تحتها ويموت الإنسان، وفوق هذا وذاك، صراع سياسي اقتصادي بين الصين والغرب على كل شيء تقريبا، من البحر حتى الفضاء. هكذا يبوح الناس بما لديهم من قلق في كل مجلس، وكل فرصة للنقاش. هناك إحساس غامر بهشاشة المستقبل، وقلق على الوظائف، وعائد الاستثمار، حتى الذهب لم يعد آمنا.

في مواجهة كل هذا أقول، "لا تقلق" ولكن ثمة نقاط يجب أن تراعيها، وأولاها: أن تحدد أهدافك بدقة، وثانيها: أن تقبل فقط بأهداف تعرف مخاطرها بدقة كافية ولو كانت بسيطة أو صغيرة، ثالثا: اقبل وتنازل وعدل أهدافك بحسب قدرتك على تحمل المخاطر.

لا جدل أن هناك مخاطر جمة في المستقبل، لكن ليس هذا بغريب على بني البشر، فهناك من نجا من قلب الحرب العالمية ومن مضى بين قنابلها التي أحرقت كل شيء ليتخطى جثث ملايين الموتى واشترى وباع وزرع واخترع وعاش يروي لنا الحكاية، فهناك دائما سفينة للنجاة لمن رآها وآمن بها. لكن هذا يتطلب من كل شخص فهما وإدراك مفاهيم إدارة المخاطر، ومع الأسف لا أحد يهتم بها حتى الآن، ولا أحد يأخذ ذلك على محمل الجد. كمثل مفهوم الجودة الذي تم إنهاكه في كومة ورق، والمراجعة الداخلية التي صارت تنمرا مشتركا وصراعا مخططا، والمخاطر كسجل لا يغني ولا يسمن. هذه المفاهيم المهمة في حياتنا اليومية قد تم سلبها وقولبتها في مصطلحات إدارية صامتة، ولوحات جدارية بلهاء، ولهاث خلف صورة وشهادة. وأقول اليوم للمنظمات والأفراد بضرورة تطبيق نماذج إدارة المخاطر على الحقيقة، فهي سفينة النجاة في المستقبل، ويوم الفيضان لن يأوي إلى الجبل من لم يصنع سفينته.

حدد أهدافك أولا، لا تعش في هذه الدينا بلا شعور واضح بالهدف، فكل منا له هدفه ولو أن ينام ويأكل في سربه، لكن من منا يعترف بذلك ويشعر به. إنك ولا شك تقرأ وتسمع عمن يتيهون في الصحراء، لكن في الحقيقة هم تاهوا عن أهدافهم وعن شجاعتهم في التصريح بها في الوقت المناسب. وإذا كنت في الصحراء وحيدا وتائها، يصبح هدفك البقاء حيا، وهذا يقابله خطر أن تفقد الماء، ومع ذلك فإن عديدا من الذين يتم فقدانهم هناك يتوهمون المخاطر في غير فقدان الماء، ولهذا يهربون من الضياع نفسه من شعورهم به، وهذا ليس خطرا يهدد حياتهم، بل إن الخطر في فقدان الماء بسرعة. وفي الاقتصاد، ليست هناك أشد خطورة من فقدان السيولة بسرعة، لكن من يعرف ذلك. هناك من لديه دخل جيد لكنه يفقده بسرعة، لم يفطن أين الخطر، وهناك اليوم شباب يخاطرون بتحقيق أهداف لا يعرفون مخاطرها، فيرهنون رواتبهم ومستقبلهم من أجل تملك السكن، لأن تملك السكن أمان عندهم. وهذا تفكير مخيف، فخطر السكن ليس هو نفسه خطر عدم تملك السكن. فقدان وتناقص الدخل في صحراء الاقتصاد هذا هو الخطر. الجميع يواجه اليوم خطر الاستغناء عنه في عمله، على أساس أن هذا هو الخطر، هذه مجرد أدوات، الخطر هو فقدان المهارات الكافية للوصول، حدد هدفك وعدل وسائلك، تقبل نفسك وحجم قدراتك واستعد لقبول التغيير. ضع هذا السؤال أمامك، هل لديك استعدادات نفسية لدخول مغامرة التعلم من جديد؟ ففي مقابل مخاطر تقلبات الوظائف، نحن بحاجة إلى مثل هذا الاستعداد النفسي، وأن يكون الشخص متعدد المهارات، مستعد لقبول تقلبات حادة للمحافظة على الدخل والسيولة التي تبقيه حيا بشكل اقتصادي.

ثالثا: القدرة على تغيير الأهداف مطلب لمواجهة المخاطر. أحيانا لا بد من تغيير الهدف والقبول بذلك في الوقت الصحيح، فبعض الأهداف لديها مخاطر أكبر من قدرتنا على مواجهتها، والهروب نصف الشجاعة كما يقال. وكمثال في الصحراء، وفي كل القصص الدرامية التي نسمعها، لم يكن أي شخص يهدف إلى فقدان الاتجاه هناك، لكنه يحدث رغما عنه، فهناك من كان يريد الصيد أو يجمع إبله، أو يصل إلى منزل في هجرة ما، أو عابرا بين المدن، كل له هدفه. وينجو في الصحراء، ومن مخاطر فقدان الماء من يكتشف أن هدفه الذي سار إليه أصبح هو الخطر الآن، وعليه أن يتوقف ويغير ويقيم الأهداف الصحية والخطرة، ويعود في الوقت المناسب عندما يصبح الماء هو الهدف الآن. كم من مرة رأيت فيها سيارة متعطلة على جنبات طريق بري موحش. لقد فشل صاحبها في الاعتراف بأن إصراره كان هو الخطر. غير أهدافك إذا كانت مخاطرها أكبر أو لا تعرف حجمها، اقبل فقط بتلك الأهداف التي تعرف مخاطرها جيدا. وفي صحراء الاقتصاد، عليك أن تقبل بفشل مشروعك وتحافظ على ما تبقى من النقد أو القدرة على الاقتراض في الوقت المناسب، قبل أن تصبح النجاة من السجن هدفا قد لا تنجح فيه.

ليست المنظمات أحسن حالا من الأشخاص، فلا يوجد لدى المنظمات خطط واضحة لمواجهة التقلبات الاقتصادية ولا الطبيعية، فلا أحد في ألمانيا توقع ذلك، حتى فقدوا منازلهم ووظائفهم في لمح البصر، وفي كندا لم يتوقعوا ارتفاع الحرارة حتى تلفت الأغذية بسبب سوء التخزين، وفي الهند لم يتوقعوا انهيار النظام الصحي، ولا حتى تونس، الجميع لا يحسن التوقع، والكل يعرف بأنه لا أحد في مأمن من هذه الظواهر، لكن من يستعد ومن يقبل تغيير أهدافه في الوقت المناسب. المخاطر ليست مجرد سجل، هناك مفاجآت كبيرة في المستقبل، ودائما تظهر كل المنظمات وكأنها مبغوتة بما حدث، وتلوم الظروف والآخرين والطقس. هناك اليوم ما يكفي من الأدلة والشواهد على حدوث تقلبات طبيعية صادمة في كل مكان في العالم، ومع الأسف ليس هناك أدوات ولا إجراءات ولا تدريب، فقط إحساس بالقلق وهشاشة المستقبل.

 

نقلا عن الاقتصادية