قبل أيام اختتمت أهم بطولتين قاريتين لكرة القدم على مستوى المنتخبات هما أمم أوروبا وكوبا أميركا وعاش العالم معهما موسماً مميزاً بمتابعة أفضل منتخبات العالم وأمهر اللاعبين وخصوصاً في بطولة أمم أوروبا التي تم استضافت مبارياتها في إحدى عشر دولة في تنظيم غير مسبوق صاحبه تفاعل عالمي وليس أوروبياً فقط، بمستوى عالٍ جداً، وشهدت العديد من المباريات عودة كثيفة للحضور الجماهيري بعد توقف بسبب كورونا، فيما بقيت بطولة كوبا أميركا بلا جمهور التي استضافتها البرازيل باستثناء المباراة النهائية سمح لما يقارب سبعة آلاف شخص حضورها في ملعب ماركانا الذي يعد الأكبر على مستوى العالم، بينما حضر نهائي أمم أوروبا بملعب ويمبلي بلندن ما يقارب 80 ألف متفرج وتم نسف التدابير الاحترازية وتجاوز الحضور العدد المقرر لحضورها عند 65 ألفاً وكان الدخول للملعب فيه كثير من العشوائية وانفلات السيطرة وكل ذلك بسبب حب الشعوب لكرة القدم وتأثيرها البالغ في نفوسهم.
فهذه اللعبة التي يذكر التاريخ أن نشأتها كانت عام 1848 في إنجلترا حسب روايات عديدة أصبحت أكثر من مجرد فعاليات تلتقي فيها فرق لتتنافس على لقب فقد بات تأثيرها الاقتصادي كبيراً جداً، فبخلاف البنية التحتية التي تكلف مئات المليارات لإنشائها وما ينعكس من خلال هذا الإنفاق عليها من تنشيط لقطاعات البناء والتشييد وما يتبعه من صناعات وخدمات توظف ملايين البشر على مستوى العالم فإن أندية كرة القدم عالمياً التي تضم نحو مليوني فريق بمختلف المستويات العمرية وتضم نحو 250 مليون لاعب تولد ملايين فرص العمل لتخدم هذه الأندية والمنتخبات، فبعض الأندية تمثل مصدر دخل كبيراً للمدن التي تقع فيها من وظائف وجذباً سياحياً، فنادي مثل برشلونة يضيف 12 ألف وظيفة لاقتصاد المدينة، بينما يعمل نحو 150 ألف موظف في صناعة كرة القدم الإسبانية والأمر ذاته ينطبق على جميع الدول خصوصاً الكبرى في عالم كرة القدم.
وينتقل تأثير كرة القدم الاقتصادي لتحول اللاعبين وملاعب الكرة عموماً لوسائل ترويج لمنتجات وخدمات الشركات وأصبح بعض اللاعبين تأثيرهم في سوق الإعلانات كبيراً جداً، إذ تبلغ قيمة منشوراتهم على حساباتهم بوسائل التواصل ملايين الدولارات للإعلان الواحد ولهم تأثير كبير في جيل الشباب بإقناعهم بالسلع التي يروجون لها وبالمقابل لهم تأثير سلبي في أي سلعة يحاربونها، كما فعل اللاعب البرتغالي رونالدو ببطولة أمم أوروبا الأخيرة عندما أزاح زجاجات مشروب كوكا كولا من أمامه في المؤتمر الصحفي له وهي الشركة الراعية للبطولة ونصح بشرب الماء بدلاً عن الكولا، مما أدى لهبوط سعر سهم الشركة في أول جلسة تداول بعد الواقعة وفقد من قيمته السوقية أربعة مليارات دولار أمريكي، فالتأثير الاقتصادي لكرة القدم وما يرتبط بها من صناعات إعلامية وكذلك منتجات وأدوات رياضية وغيرها من الأنشطة أوصل حجم هذه الصناعة الترفيهية لأرقام فلكية تخطت 100 مليار دولار سنوياً وبعض الدراسات، تشير لإضعاف هذا الرقم، فقد باتت كرة القدم مسرحاً للترويج للسلع وكذلك تسويق للدول سياحياً وتجارياً ومن القوى الناعمة المؤثرة جداً بالشعوب، فهي مصدر الهام وبث للتفاؤل وزيادة النشاط والإنتاجية عندما تفوز المنتخبات أو الأندية لأي دولة ببطولات دولية كبرى وكذلك مصدر إحباط عند الخسارة والجميع يشاهد كيف هي ردات الفعل عقب نهاية المباريات على الجماهير ووصول البعض لحالات هستيرية بالتعبير عن شعوره بالفوز أو الخسارة.
أثرت جائحة كورونا في كرة القدم وأفقدتها مؤقتاً شيئاً من بريقها واهتمام الناس بها لكن ذلك لن يدوم طويلاً وستعود صناعة كرة القدم لسابق عهدها مستقبلاً وسيبقى الاهتمام بها هو الأعلى بين كل الرياضات كونها اللعبة الشعبية الأولى في العالم لكن استثمارها اقتصادياً يبقى هو الجانب الأهم أيضاً بهذه الصناعة الترفيهية إذا ما كان التوجه لتحقيق هذا الهدف بتوطين صناعة الأجهزة والمعدات والملابس الرياضية وأيضاً إقامة البطولات في ملاعب تمثل مكاناً لسياحة اليوم الواحد ومركزاً متكاملاً يضم العديد من الخدمات وليس مجرد ملعب محدود الإمكانات، إضافة لاستخدامها بالترويج لما تتمتع به المملكة من مناطق سياحية وكذلك تعريف بالإمكانات والتوجهات الاقتصادية وجذب الاستثمارات عبر الترويج للفرص الاستثمارية من خلال الفعاليات الرياضية والدعاية التي يمكن لملايين الناس مشاهدتها في كل دول العالم من خلال منصات الإعلان الكبرى وهي الملاعب والنقل الفضائي التلفزيوني لتلك الفعاليات.
نقلا عن الجزيرة