فخ الدخل المتوسط

05/07/2021 3
د.صالح السلطان

توصف دول وشركات وأفراد بأنهم واقعون في فخ الدخل المتوسط، وأحيانا تختصر بفخ الدخل. فما المقصود وكيف؟.

الوصف يعني غالبا حالتين. الأولى حالة دخل منخفض، ثم يرتفع الدخل بسبب ظرفي. يحصل لاحقا جمود أو شبه توقف لارتفاع الدخل. وقد ينخفض. والثانية ارتفاع الدخل شكلا أي الاسمي لظروف ما، لكن الحقيقي لم يتحسن، بل ربما انخفض. والحقيقي يعني ارتفاع القدرة الشرائية. وعكسه الاسمي، مثل ارتفاع الدخل 50 في المائة وفي الوقت نفسه زادت الأسعار 50 في المائة فإن الدخل الحقيقي لم يتغير، لكن الذي تغير هو الاسمي.

وزيادة في التوضيح، ارتفاع الدخل العام ارتفاعا ملموسا يجلب عادة ارتفاعا في الأجور. إذا لم يصاحب ارتفاع الأجور صبر وصبر مقرون بعمل جاد لتحسين ورفع الإنتاجية فالأغلب أنه ارتفاع شكلي أو ما يسمى فنيا اسميا في الدخل. هذا يوقع في فخ، بسبب تأثيره السلبي في التنافسية. وهنا توضيح كيف.

إذا ارتفع الدخل ولم ترتفع الإنتاجية فالنتيجة ارتفاع تكاليف إنتاج السلعة أو الخدمة نفسها دون تحسن في المستوى. وهذا يزيد من صعوبة منافسة الاقتصادات الأخرى.

ربما كانت الصين قبل نحو 20 عاما أشهر مثال في ذلك الوقت. تحولت الصين من دولة ذات دخل فقير إلى متوسط قبل عقود قليلة. وكانت أمامها تحديات كبيرة للصعود إلى مرتبة الدول المتطورة اقتصاديا ذات الدخل المرتفع. لم تصعد وقتها حيث نظر إليها على أنها واقعة في "فخ الدخل المتوسط". وهذا جر إلى بحث التحديات الاقتصادية التي تواجه الصين خلال الفترة المقبلة، وطرحت مقترحات للتغلب عليها. ولخص تلك التحديات التي تواجه الصين رئيس وزرائها وين جيا باو، في قوله وباختصار بما معناه قبل نحو 20 عاما: بلغ الإصلاح في الصين مرحلة حرجة، ومن دون نجاح إصلاح هيكلي، قد تضيع المكاسب التي تحققت في مجال التنمية. وهذا مما يفسر التوجه التقني بقوة في الصين.

تتضح كيفية نشوء المشكلات من تتبع مراحل النمو السريع. في البداية يمر الاقتصاد بحالة النمو الشامل اعتمادا على استعمال قدر كبير من مدخلات العمل ورأس المال. إذا لم يصاحب ذلك تحسن قوي في المهارات والتقنية وجودة الأداء فإن هذا النمو مهدد. وهذا يحصل حتى لشركات كبيرة. فيما يخص الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية كالنفط، فإن أموال هذه الموارد جلبت طلبا مرتفعا وأرباحا عالية في إنتاج السلع والخدمات غير القابلة للاستيراد. شحت اليد العاملة المطلوبة في القطاع الخاص بصورة نسبية، فارتفعت أجورها. إذا لم يصاحب ذلك ارتفاع في المهارات والإنتاجية فهو نمو من نوع الفخ.

هذا مظهر من مظاهر تشبه ما يسمى المرض الهولندي. زيادة إنفاق الحكومة والقطاع الخاص يصحبها زيادة إنفاق استهلاكي، ومن ثم فائض في الطلب على الخدمات والسلع واليد العاملة. وينشأ من فائض الطلب زيادة الأسعار النسبية للخدمات والسلع غير القابلة للتداول في التجارة الدولية، مقارنة بأسعار السلع القابلة لأن تستورد، وهذا عامل يقلل رغبة المستثمرين بالاستثمار في القطاعات الإنتاجية. كما أنه لا يغريهم في تحسين إنتاجية اليد العاملة.

ماذا الذي نراه الآن في بلادنا؟ نشهد في بلادنا حركة جادة في الانتقال من نمو معتمد على الإنفاق الحكومي إلى مرحلة نمو اقتصادي مصدره التنوع والتطور المعرفي والتقني.

ولذا فإن البحث العلمي والمعرفي المهاري يشكل مرتكزا بالغ الأهمية للتنمية ومقومات نجاحها وقدرتها على تحقيق الاستدامة واستجابتها للتحولات الحاصلة في المجتمع والمؤثرات الخارجية، لما يعطيه من منهجيات في العمل ووضوح في الأداء وابتكارية في الأدوات وقوة في التشريعات ودقة في التشخيص والحدس في استشراف المستقبل.

في الماضي، كان الحديث عن البحث العلمي في منطقة الخليج العربي عادة ما يغلب عليه طابع التشاؤم مستندين في تناولهم لذلك، بجملة من التعليلات. كان الضعف واضحا في مساهمة التطوير والبحث العلمي في صناعة البدائل التنموية في مواجهة التحديات كانخفاض أسعار النفط وغيره.

لكن - بحمد الله -، حصلت في الأعوام الأخيرة توجهات قوية نحو تعميق قيمة البحث العلمي في الحياة وإدارة برامج التنمية، وإيجاد مؤسسات معنية بالتطور والابتكار. نرى تحولا نوعيا في مؤسسات البحث العلمي وتكوين أطر تنظيمية وشراكات بحثية محلية وعالمية، وسياسات تنافسية في تعزيز البحث العلمي القائم على الابتكار والتجريب في المجالات الاستراتيجية كالنفط والغاز والطاقة والثروات الطبيعية والطاقة النظيفة والبيئات الحيوية والدواء وغيرها.

من جانب آخر، زادت أهمية التعاون البحثي بين الجهات بهدف دعم المشاريع البحثية ذات الاهتمام المشترك سعيا لتدعيم دور البحث في تحقيق التنمية المستدامة.

لكننا لا ندعي أننا حققنا كل ما نطمح، من المهم الاستمرار في الطريق وفي تحسين البحث العلمي، وما يتطلبه من أطر ثقافية وتشريعية وتشجيع القطاع الخاص في الاستثمار النوعي. كما أن من المهم ربط نتائج البحوث الاستراتيجية بأولويات القطاعات.

 

نقلا عن الاقتصادية