كل فقاعة في العالم تنشأ لأسباب موضوعية، في حيثيات الموضوعية هناك ما يكفي للاستدامة والقبول أو الذبول ونشوء بديل. العملات الرقمية من ناحية فنية ليست إلا امتدادا لوسائل الدفع رقميا خاصة مع توسع التجارة الإلكترونية، ومن ناحية مالية واقتصادية وهي الأهم، هناك عدة اعتبارات أسهمت في نشوء الظاهرة، منها تزعزع الثقة بالبنوك المركزية الرئيسة، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية ومنها تزايد عرض النقود والتضخم ومستوى العولمة، وربما امتداد طبيعي للتجارة والمدفوعات الإلكترونية وتطورات تقنية مثل Blockchain، كذلك لا يمكن إغفال المصالح التي خارج القانون.
تعدد العملات الرقمية إحدى دلالات درجة من الفوضى التي ربما كانت متوقعة، إذ في حقبة سابقة كانت عدة عملات تتداول في البلد الواحد، حتى في حقب أقدم كان هناك خلط أحيانا بين عملات ورقية ومعدنية مختلفة المرجعيات. هناك هجمة مضاربية وفي رأي البعض استثمارية تختلط فيها الأماني مع ظاهرة التوسع النقدي في أمريكا وبقية البنوك المركزية.
لا تتوافر في العملات الرقمية ما يؤهلها لتصبح عملة دولية لأربعة أسباب، أولها توافر قيمة مستقرة في المدى البعيد، فلا يمكن لعملة عالية التذبذب أن تكون وسطا معتمدا للتعامل. ثانيا، لا بد من توافر حجم كتلة نقدية للإيفاء باحتياجات التجارة الدولية في البضائع والخدمات والأصول المالية لأغراض الاستثمار والمضاربة. ثالثا، لا بد أن تكون تكلفة التعاملات قليلة، حيث يكون الفرق بين سعر البيع والشراء محدودا كإشارة على توافر وتسعير السيولة. رابعا، لا بد من مرجعية متفق عليها وموثوقة لضمان العملة، ضمان العملة مختلف عن ضمان استقرار العملة.
تاريخيا الإجماع على عملة يأتي من قبل المشاركين دون حاجة إلى مؤسسة دولية، فالتاريخ مليء بتجارب عملات كثيرة على مدى العصور، لعل أحدثها تجربة الـ"قلدر" الهولندي الذي استطاع الجنيه الإنجليزي إزاحته ومن ثم جاء دور الدولار والجنيه ليتقاسما الدور تقريبا بين الحربين الأولى والثانية ليحسمها الدولار بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن رغم تقلص حصة الاقتصاد الأمريكي من الاقتصاد العالمي.
لعل أشهر هذه العملات هي بيتكوين ولذلك ربما تستحق بعض الملاحظات. لا يمكن لبيتكوين Bitcoin أن تأخذ محل الدولار أو غيره، لأن كميتها محدودة وتذبذبها عال بما لا يسمح لها أن تكون عملة اعتيادية، كذلك هناك تكلفة لتداولها لأن الفرق بين البيع والشراء واسع. العيب الملازم لهذه العملات هو اعتمادها على استهلاك كبير من الكهرباء، ما دفع بعض الدول من التدخل للحد من إصدارها. هناك محاولات دولية من خلال عدة شركات لعل أشهرها محاولة شركة فيسبوك FaceBook لتأسيس مظلة مؤسساتية لإصدار عملة رقمية أكثر قبولا. أحد أسباب الإقبال على العملات الرقمية هو تمكن المتداول لها من إخفاء الهوية والسرية ما يجعلها وسطا جاذبا للتعاملات غير النظامية، خاصة للمخدرات والإرهاب والابتزاز كما حدث مع عدة شركات أخيرا. أسعار بيتكوين وصلت إلى نحو 64 ألف دولار في نيسان (أبريل) 2021 ثم سجلت انخفاضا حادا وصل إلى أقل من 30 ألفا الأسبوع الماضي في حالة تذبذب دائمة. أسباب الانخفاض كما أسباب الارتفاع تبدأ موضوعية كما حدث عن التلميح برفع الفائدة إلى حضر الصين للتعامل مع وسط يسيطر عليه الأمريكان في ظل مناوشات اقتصادية. البعض يرى في العملات الرقمية حماية من التضخم، لكنها ربما أقرب أن تكون من أعراض التضخم. العملات الرقمية بواقعها الآن ليست عملات أو وسطا استثماريا ولا تشابه حتى الذهب يسهل تقييم العائد منه عدا الأمل أن يدفع مضارب آخر سعرا أعلى، لذلك لا بد من الحذر حيث ينجح عدد قليل ويخسر الأغلبية، خاصة أن جزءا معتبرا منها مبني على الاقتراض.
نقلا عن الاقتصادية