كثافة النفط والدخل الإجمالي

22/06/2021 0
فواز حمد الفواز

اطلعت على ورقة بحثية بعنوان: "كثافة intensity النفط: العلاقة بين النفط والإنتاج القومي الإجمالي"، صادرة من مركز الأعمال في كلية الإدارة الحكومية في جامعة هارفارد، كتبها Christof Ruhl وTit Erker. لعل كثيرين يسمعون عن توقعات كثيرة حول أسعار النفط على مدى عقود أغلبها يخطئ، ولذلك تجد حتى وزراء الطاقة ومديري الشركات غالبا لا يقدمون توقعات حول الأسعار. السبب أن سوق النفط معقدة إلى حد صعوبة اختصارها في نموذج محدد يستطيع اختزال عوامل متعددة ومختلفة التأثير فضلا عن السياسة وتصرفات الأفراد والشركات، لذلك جاء تركيز الورقة على كثافة استخدام النفط كمؤشر مهم على تطورات النفط. المقصود بالكثافة كمية النفط المستخدمة لكل وحدة من الدخل القومي الإجمالي عادة عدد البراميل لكل دولار.

الثابت أن الكثافة في انخفاض مستمر تقريبا بالدرجة نفسها إلى حد أنها إحصائيا تتطابق مع خط مستقيم منذ 1984 تقريبا رغم الأحداث التي أثرت في سوق النفط في الـ 40 عاما الماضية.

محاولة فهم تطورات سوق النفط من زاوية الكثافة ناقصة، لأنها لا تتعامل مع العرض لكنها مهمة جدا لأن الكثافة تختصر تطورات كثيرة من ناحية الطلب، حيث تتعامل مع ارتفاع الأسعار وتأثيرات الضرائب والبدائل والعلاقة بين رأس المال المستثمر والسلع النهائية وسلم التقنية وتغير تركيبة الاقتصاد، لذلك ربما هي أوسع مقياس للإنتاجية.

في الأعوام الأولى انخفاض الكثافة كان أقل من نمو GDP ما سمح للطلب بالنمو. نمو الاستهلاك من 1870 إلى 1973 كان 6 في المائة سنويا و1.2 في المائة منذ 1973 و1.6 في المائة في آخر عشرة أعوام "حتى 2019" سنويا وأصبح أهم مصدر وقود أولي 1964 وبلغ الذروة عند حصة 50 في المائة في 1973، في العام نفسه بلغت الكثافة ذروتها عند برميل واحد لكل ألف دولار "بأسعار 2015". في 2019 بلغ استهلاك النفط 0.43 برميل لكل ألف دولار. الانخفاض كان حادا من 1973 حتى 1984، بعد ذلك أصبح الانخفاض تقريبا بالدرجة نفسها ما يعكس ضعف العلاقة تدريجيا بين السعر والكثافة، فمثلا انخفضت الكثافة بنسبة 15 في المائة بين عامي 1980 و85 بينما انخفض السعر الحقيقي "الاسمي ناقص التضخم 40 في المائة". لعل من أهم خصائص الطلب التغير في أغراضه، حيث اتجه للسلع النهائية ما خفض مرونة السعر منذ الثمانينيات. من آثار التغير في طبيعة ومرونة الطلب العلاقة مع النمو الاقتصادي، فمثلا تسبب ارتفاع أسعار النفط في السبعينيات "73 و79" في بداية ركود اقتصادي، لكن ارتفاع أسعار النفط في الفترة قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 والفترة 2011 - 2014 لم يسبب ارتفاع أسعار النفط في ركود اقتصادي. تفسير الظاهرة أن السبعينيات كانت بسبب التأثير المباشر في العرض في ظل مستوى مرونة سعر أقل، بينما ما بعد الألفية حدث بسبب نمو طلب من الدول النامية خاصة الصين. تذكر الورقة أن السبب يعود إلى انخفاض حصة النفط من الطاقة وتقلص تأثيره الاقتصادي.

تطور في رأيي قد لا يكون سيئا للمملكة كأكبر مصدر وبتكاليف أقل، خاصة أن هناك نقصا حادا في الاستثمارات الرأسمالية عالميا إما بسبب الضغوط على شركات النفط العالمية وإما بعدم قدرة كثير من الشركات الوطنية لأسباب غالبا سياسية ومالية، كما حدث في فنزويلا وإيران وليبيا وآخرون، خاصة أن التحول في منظومة الطاقة ليس سهلا كما تروج وسائل إعلام كثيرة، فمثلا جاء بيان مجموعة الدول السبع حول مسألة الحياد الكربوني ضعيفا بسبب التحديات والخلافات. حاولت اختصار ورقة تحليلية تتعامل مع زاوية مهمة، لكنها لا تستطيع تقديم توصية عدا الإشارة إلى احتمال توقف نمو الطلب ومن ثم انخفاضه لكنها أيضا حذرة في كونها لا تتعامل مع العرض وعوامل أخرى.

 

نقلا عن الاقتصادية