تأثيرات الرهن العقاري

21/06/2021 0
د.صالح السلطان

هناك أربعة جوانب وتنظيمات أساسية حديثة العهد في بلادنا موجهة للعقار: التمويل العقاري ومراقبة شركات التمويل والتأجير التمويلي والرهن العقاري.

الأخير الرهن العقاري بصفة عامة يزيد الطلب. ويسهم الرهن العقاري في خفض تكلفة التمويل، أي في خفض تكلفة المنزل على المشتري مقارنة بتمويل دون رهن. كما أن الرهن العقاري يعمل على زيادة الطلب بطريقة غير مباشرة من جهة العرض نفسه. وتوضيحا، الرهن العقاري يزيد من العرض الإسكاني (مثلا منتجات التطوير العقاري). الممولون والمطورون العقاريون بدورهم يبذلون جهودا لزيادة الطلب على سلعتهم.

هل يحل الرهن العقاري مشكلة السكن؟ لا. لا يحلها ولكنه يسهم في الحل.

الرهن العقاري لا يحل مشكلة تدني القدرة الشرائية لأغلبية المواطنين. نسبة المواطنين الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على تملك سكن مناسب في تزايد. حتى مع وجود تمويل لمدة طويلة، مثلا 20 عاما. ذلك لأنه لا تتوافر للكثيرين دفعة مقدمة ذات اعتبار. ومن ناحية أخرى، يشكل القسط الشهري الذي يستمر أعواما طويلة عبئا ثقيلا على ميزانية أغلبية الناس.

ومن باب توضيح معنى سكن مناسب، فإنه ينبغي أن يفهم الأمر في إطار ما جبل عليه البشر من حب الدنيا والمال. عندما يذهب أحدنا بغرض شراء سلع من السوق فإنه يضع لنفسه تطلعات حول ما يرغب الحصول عليه. والعادة أو الأغلب أن تطلعات الواحد منا تتجاوز حدود ما تحت يده من مال. ومتوقع أن تكون التطلعات في النساء أكثر.

الكلام السابق ينطبق على حالة استئجار أو شراء عقار ما. قد يحصل عليه ضمن الميزانية التي قررها مسبقا، ولكن هذا لا يحصل عادة. لأن التطلعات تتجاوز في العادة والأغلب حدود القدرة المالية، سواء للاستئجار أو الشراء. عندها عليه إما أن يخفض من تطلعاته وإما أن يزيد من ميزانيته أو حل خليط بين الاثنين أو يؤجل الموضوع في حالة الشراء خاصة.

لنأخذ حالة خفض التطلعات. إلى أي حد للطالب سيقبل بخفض تطلعات، سواء في الكم أو الكيف أو كليهما؟

خفض التطلعات كثيرا صعب. لأنه من الصعب على الإنسان الرضا بخفض مستواه المعيشي. ولذا سيؤخر المشروع أو الزواج مثلا لوقت آخر بدلا من شراء أو بناء منزل بمواصفات تبعد عن أحلامه كثيرا كما أو كيفا أو كليهما. ربما يمر وقت طويل جدا حتى يقبل الناس بالأمر الواقع، في حال عدم حلول أخرى.

ارتفاع التطلعات بعضه مبرر، وبعضه غير مبرر. المشكلة تحديد نقطة التوازن، التي ينبغي أن تبنى عليها السياسات والاستراتيجيات الإسكانية.

ما مخاطر الرهن الإسكاني؟

رغم الفائدة الكبرى للرهن في تسهيل تملك المنازل، إلا أن له جانبه الآخر، فعند عدم القدرة على السداد، قد ينتهي بأزمة. وتفصيلا، قد يجلب الرهن العقاري مخاطر على الراهنين (يحق للمرتهن التنفيذ على العقار)، أو المرتهنين، كمخاطر تغير أسعار المساكن (مثلا، ارتفاع أسعار العقارات قد يزيد الطلب بالاستدانة التي تتحول إلى أزمة عند انخفاض الأسعار) وتغير أسعار الفائدة أو معدلات الربحية، أو مخاطر تحل بالمؤسسات المالية، كما حدث في الولايات المتحدة، بما يعرف بأزمة الرهن العقاري، وتبعاتها على المؤسسات المالية.

ومن المشكلات أن توفير الرهن قائم أساسا على السداد من الدخل، ولكن هناك مخاطر العطالة وانخفاض الدخل وتذبذبه، خاصة أن نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص تعاني تدني وضعف استقرار الدخل.

هل سينتج الرهن العقاري تمويلات بفوائد متدنية عن السوق؟

الرهن العقاري سيقلل من تكاليف التمويل، ولكنه لن يخفض أرباح الممولين عن السائد في السوق أي في عموم الأنشطة الاقتصادية. من المهم جدا ألا يتوهم أحد أن القطاع الخاص (أو بتعبير آخر السوق) يوفر تمويلا سكنيا (أو غير سكني) بشروط في متناول الجميع (كما تدعي بعض الإعلانات)، وأعني بذلك الاكتفاء بربح أقل من السوق، أي أقل من المثل بالتعبير الفقهي. ذلك لوجود جانبين متعارضين:

• عائد جذاب للمشاركين في السوق.

• شروط معقولة للدائنين المحتملين.

ولكن يمكن الوصول إلى حلول وسطى بتدخل حكومي.

ما تأثير الرهن العقاري في السوق العقارية باختصار؟

يمكن اختصارها في مرحلتين قصيرة وطويلة. على مدى أعوام قليلة ستخفف الشروط على كثير من الناس في الحصول على تمويل، ما يرفع نسبة القادرين على الحصول على تمويل سكني، ويتسبب في ارتفاع نسبي في أسعار العقارات. أي من المتوقع أن انخفاض تكلفة التمويل تتبعه زيادة الطلب فارتفاع الأسعار.

أما على المدى البعيد، فمن المتوقع مع مرور الأعوام انخفاض قوي في تأثيره السابق في الأسعار. ستكون استجابة أكثر فأكثر من العرض للطلب. وسيتأقلم الناس والسوق على أنظمة الرهن والتمويل العقاري، وستتعرض هذه الأنظمة للتطوير، وسيدخل التمويل العقاري (وبعبارة أخرى سوق العقار) دورة النظام المالي، كما في دول الغرب والشرق. لكنه ينبغي أن يفهم أن انخفاض تأثير الرهن مع مرور الوقت لا يعني بتاتا عدم تعرض العقار لعوامل أخرى مؤثرة في أسعاره. وبالله التوفيق.

 

نقلا عن الاقتصادية