جائحة كورونا التي عصفت بالاقتصاد العالمي وحولته إلى الركود خلال أسابيع قليلة في بدايات العام الماضي تمخضت عن انكماش قارب 4.3 في المائة وارتفاع هائل بمعدلات البطالة مع الإقفال الكبير الذي لم يشهده العالم سابقاً بهذا الحجم والانتشار، اذ لم تسلم دولة من تداعيات انتشار هذا الفايروس، فبعض التقارير الدولية تحدثت عن خسائر تقارب 28 تريليون دولار سيتكبدها العالم من العام الماضي حتى ثلاث سنوات قادمة، لكن التصدي المبكر دولياً خصوصاً من مجموعة العشرين بكل تأكيد خفف من تداعياتها بنسب كبيرة، فكل ما شاهدناه من سلبيات يبقى أقل كثيراً لو لم تتدخل الحكومات «مبكراً» رغم ضخامة حجم فاتورة المعالجة التي كلفت مجموعة العشرين ما يفوق 11 تريليون دولار، هذا بخلاف الموازنات والمبادرات التحفيزية التي أطلقت من بداية العام الحالي.
لكن يبقى السؤال، هل أصبحت هذه الأزمة خلف ظهر العالم وأن التعافي أسرع من التوقعات؟ إن الجواب على هذا ااتساؤل يعد مبكراً، فما زال توصيف الجائحة قائماً من قبل منظمة الصحة العالمية وعدد الإصابات يرتفع مع التحورات التي لا تتوقف وأيضاً بطء انتشار اللقاحات عالمياً فنحو 10 دول تستأثر بنصيب الأسد من الإنتاج العالمي للقاحات تقع جلها بقارة أوروبا، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والصين واليابان وقد تجاوز عدد الجرعات التي أعطيت عالمياً حاجز 2.5 مليار جرعة لكن عملياً لم يتجاوز العالم حاجز 20 في المائة من سكانه ممن حصلوا على التحصين الكامل بجرعتين لكن مع كل ذلك فإن الاقتصاد العالمي شهد قفزات سريعة بالتعافي ويتوقع أن يحقق ما يفوق 5 في المائة نمواً لهذا العام بعد تراجع بلغ 4.3 في المائة عام 2020 م لكن ذلك لم يلغ المخاوف من عودة تفشي الفايروس من جديد وإعادة العالم للمربع الأول للازمة، فضعف توزيع اللقاحات دولياً سيسهم بزيادة التحورات ولا يمكن إيقافها إلا بتحصين يحقق المناعة المجتمعية الدولية التي تقدر بنحو 70 في المائة حسب تقدير الخبراء بعلم الأوبئة والأمراض المعدية.
لكن الأرقام الاقتصادية التي ظهرت في الربع الأول من هذا العام تظهر أن العالم يمضي قدماً لتجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة بحجمها وأسبابها وتداعياتها ولعل تقرير الفيدرالي الأمريكي الذي أشار لتعافي سريع بأكبر اقتصاد عالمي بنسبة قاربت 7 في المائة في الربع الأول لهذا العام دليل وإشارة إيجابية بأن التعافي أصبح واقعاً كون أمريكا ذات ارتباط واسع جداً بالاقتصاد العالمي فقد انخفضت أيضاً نسب البطالة لتتراوح حول 6 في المائة بعد أن تخطت 20 في المائة بقليل وفي الصين نمت تجارتها مع العالم بمعدلات غير مسبوقة من حيث تصاعد نموها وارتفعت أسعار السلع بنسب عالية وارتفع الطلب على المنتجات البتروكيماوية بنحو 10 في المائة بمعدل غير مسبوق بينما حققت أغلب أسواق المال عالمياً نسب ارتفاع من قيعانها التي تحققت في النصف الأول من العام الماضي تجاوز بعضها 90 في المائة والأسواق المالية دائماً ما تسبق اتجاهات الاقتصاد كونها تقوم على الاستثمار في المستقبل فصحيح أن التضخم بالأسعار شكل قلقاً مؤقتاً لصانعي السياسة النقدية في أمريكا والعالم لكنهم يعتقدون أنه مؤقت ولن يكون ممتداً، فتركيزهم على عودة التشغيل الكامل للاقتصاد بمعنى عودة القطاعات التي تعطلت لسابق عهدها قبل الجائحة وهو ما سيعيد التوازن للعرض من السلع والخدمات ولذلك التركيز سيبقى على تثبيت وتعزيز نمو الاقتصاد، إذ يقول الفيدرالي الأمريكي ما زلنا بعيدين عن هدفنا.
الاقتصاد العالمي مما لا شك فيه أنه يسير نحو التعافي الكامل ويبقى الخطر الوحيد هو تعطل إمدادات اللقاحات والعودة لزيادة تفشي الوباء، بينما جميع العوامل الأساسية الممكنة لتعافي الاقتصاد العالمي ما زالت بمستوى قوتها وستكشف أرقام الربع الثالث من هذا العام حيث يتوقع الوصول لنسب عالية ممن حصلوا على اللقاح وظهرت في حينها بيانات أكثر وضوحاً عن واقع الاقتصاد العالمي تحديداً حجم هذا التعافي وهل دفنت هذه الأزمة وبدأ العالم مرحلة جديدة من اقتصاد سيختلف بتوجهاته نحو الرقمنة بشكل متسارع وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
نقلا عن الجزيرة