ماذا يعني تسارع تضخم أسعار الأراضي؟

16/06/2021 10
عبد الحميد العمري

بدءا من مطلع 2019 دخلت أسعار الأراضي في جميع المدن والمحافظات موجة متسارعة من الارتفاع، بعد أن كانت قد تعرضت لموجة هابطة خلال العامين السابقين 2017 - 2018، ولم يقدر لها أن تستمر بعد دخول عامل القروض العقارية بمعدلات غير مسبوقة، التي لعبت الدور الأكبر في إعادة أسعار الأراضي والعقارات عموما إلى الارتفاع مجددا، وبوتيرة تجاوزت معدلاتها السابقة خلال 2011 - 2014، وبالنظر إلى حجم القروض العقارية الممنوحة للأفراد خلال الفترة 2019 حتى نهاية نيسان (أبريل) الماضي، فنحن أمام نحو 283 مليار ريال تم ضخها في السوق العقارية التي شكلت أكثر من 95 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات العقارية للقطاع السكني (298 مليار ريال) خلال الفترة نفسها، بما يؤكد الدور الكبير جدا الذي لعبته في تحريك نشاط السوق عموما، ودورها المباشر في الدفع بمستويات الأسعار نحو الارتفاع أعلى مستوياتها التاريخية سوقيا، ويقدر باستمرار وتيرتها الراهنة أن يتجاوز حجم تلك القروض العقارية الجديدة سقف الـ 396 مليار ريال بحلول نهاية العام الجاري، وإلى أعلى من 573 مليار ريال بنهاية 2022.

شكلت تلك القروض العقارية الجديدة دعما كبيرا وغير مسبوق لجانب الطلب، مقابل شبه ثبات في جانب العرض، قياسا على ما أكدته بيانات مساحات ما تم تطويره من الأراضي البيضاء المشمولة بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء البالغ مساحتها 411.5 مليار متر مربع، حيث لم تتجاوز سقف 14 مليون متر مربع "3.3 في المائة من إجمالي المساحة"، وهو المؤشر الذي كان يشير إلى أهمية الإسراع في استكمال بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وتجاوز المرحلة الأولى التي دخلت عامها الخامس، قياسا على ضعف نتائجه طوال تلك الفترة، وقياسا على الوتيرة المتسارعة لارتفاع أسعار الأراضي خلال أقل من عامين ونصف العام، وصلت معها أسعار الأراضي السكنية في عديد من أحياء المدن الرئيسة إلى مستويات فاقت 4.0 آلاف ريال إلى 6.0 آلاف ريال للمتر المربع، وقد تتجاوز بالتأكيد الأسعار السوقية للأراضي تلك المستويات المتضخمة في ظل استمرار العوامل الراهنة دون تغيير، وهو ما يعني بدوره أن تكلفة امتلاك السكن اتخذت مسار الارتفاع والتضخم، وأن الحاجة إلى الاقتراض بمعدلات أكبر هي الاحتمال الأقرب إلى الحدوث، وكل هذا بالتأكيد يعد خارج مستهدفات برامج الإسكان التي تسعى إلى خفض تكلفة التملك على الأفراد "خفض مكرر متوسط سعر الوحدة السكنية إلى إجمالي الدخل السنوي للفرد إلى 5.0 مرات"، وإلى خفض نسبة استقطاع السداد الشهري المنتظم لمستحقات القروض العقارية على المستفيد إلى ما دون 33.0 في المائة من الدخل الشهري.

تثبت المتغيرات الجارية الآن في السوق العقارية المحلية، ونظير هذا الارتفاع المتسارع في أسعار الأراضي السكنية تحديدا، وانتقال أثره المباشر إلى ارتفاع الوحدات السكنية، وما سيترتب عليه من الاضطرار إلى رفع حجم التمويل العقاري اللازم للتملك، وارتفاع تكلفة الدعم السكني اللازم، كل هذا يثبت الحاجة القصوى إلى أهمية سرعة تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء والمطورة في المدن والمحافظات، والعمل فورا على إيقاف هذه الوتيرة المتسارعة لارتفاع أسعار أحد أهم مدخلات الإنتاج والتشغيل ممثلا في الأرض التي ستنعكس سلبا على ارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل بالنسبة لبقية القطاعات الاقتصادية المنتجة، وسيحد من قدرتها المأمولة على رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتوسيع وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وقدرتها على إيجاد وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل اللازمة.

الأمر لا يقف عند مجرد ضرورة العمل المتكامل لأجل خفض أسعار الأراضي (العنصر الخامل اقتصاديا)، بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك بمسافات أكبر وأهم، ذلك أنه يرتبط بدرجة كبيرة بالمنظومة الأكبر والأوسع لنشاطات وقطاعات الاقتصاد الوطني، التي يستهدف زيادتها واجتذاب مئات المليارات من الاستثمارات المحلية والأجنبية سنويا إليها، وصولا إلى اكمال بناء اقتصاد حيوي وكفء ومستقل عن النفط، وأن تتوافر لديه قدرة أكبر على تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وتحقيق معدلات نمو أعلى وبصورة مستدامة، يمكن في ضوئها اكتساب اقتصاد أكبر حجما، وأكثر قدرة على توظيف مئات الآلاف من مخرجات التعليم والتدريب. على العكس من كل ذلك بحال قدر لأسعار الأصول الخاملة اقتصاديا ممثلة في الأراضي أن تواصل وتيرة ارتفاعها بالصورة الراهنة، فستكون المكاسب الاقتصادية المذكورة أعلاه والمستهدف تحقيقها أقل حصيلة بكل تأكيد، وستبقى الأراضي (العنصر الخامل) أكثر جاذبية أمام الاستثمارات والمدخرات، خاصة أنها تحقق عوائد تتجاوز بعدة أضعاف العوائد الممكن تحقيقها من الاستثمار في القطاعات المنتجة.

تأكد للجميع أن استمرار تسارع ارتفاع أسعار الأراضي، لن يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي، ولا إلى زيادة تنويع القاعدة الإنتاجية، ولا إلى زيادة توفير فرص العمل، ولا زيادة جاذبية بيئة الأعمال المحلية، ولا إلى زيادة اجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، بل على العكس من كل ذلك، في الوقت ذاته إذا ما تكاملت منظومة السياسات والعمل اللازم بذله من الأجهزة ذات العلاقة كافة، وتركزت على معالجة التشوهات والأسباب التي ما زالت تقف خلف استمرار تضخم الأصول الخاملة اقتصاديا (الأراضي)، فإن النتائج الإيجابية ستتسع دائرتها لمصلحة الاقتصاد الوطني عموما، وللقطاع الخاص والمجتمع خصوصا.

ختاما: لنتساءل معا: كم أسهم ارتفاع قيمة أرض بيضاء دون أي تطوير من 100 مليون ريال إلى 1.0 مليار ريال في كل من النمو الاقتصادي وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية وزيادة فرص العمل؟ مقابل: كم أسهم ارتفاع حجم منشأة إنتاجية بالأرقام نفسها على مستوى النمو والتنويع والتوظيف؟ الإجابة والمقارنة ستكشف كثيرا جدا عن أهمية ما يجري الحديث حوله هنا، وستجيب أيضا بوضوح تام على سؤال المقال "ماذا يعني تسارع تضخم أسعار الأراضي؟".

 

نقلا عن الاقتصادية