من المعلوم في علم الاقتصاد أن النمو الاقتصادي المتسارع لا بد من أن ترافقه درجة من التضخم، وليس هذا هو النمط من التضخم الذي تتم مناقشته هنا، في الوقت الذي يتركز الحديث عنه هنا على التضخم في أسعار الأراضي والعقارات الناتج عن تشوهات هيكلية في السوق العقارية، وحدوثه بوجود نمو اقتصادي أو عدم وجوده، وتغذى ذلك التضخم المتسارع على أي تطورات إيجابية في الاقتصاد إلى الدرجة التي قد يحولها في الأجلين المتوسط والطويل إلى مسار عكسي، ولن يقف عند ذلك الحد، بل سيستمر في ظل بقاء التشوهات التي تسببت في وجوده بممارسة أدواره العكسية تجاه الاقتصاد الكلي والتنمية الشاملة والمستدامة.
تنطلق نقطة البداية في هذا النوع من التضخم العقاري، من تشكل واتساع تشوهات السوق العقارية، كاحتكار واكتناز الأراضي بمساحات شاسعة دون أي تكلفة على تلك الممارسات، وتزامنها مع تصاعد الممارسات المضاربية على الأجزاء المحدودة من الأراضي، التي تستهدف تحقيق أرباح قياسية من نشاط شرائها وبيعها وتدوير الأموال والثروات فيها، قبل أن تصل في نهاية الطريق إلى المطور العقاري الذي سيقوم بتطويرها والبناء عليها، أو إلى المستهلك النهائي، وكلاهما سيكون مضطرا لدفع السعر الأعلى لقيمة الأرض، التي ستصبح لاحقا العنصر الأكبر وزنا في السعر النهائي للوحدة السكنية، بنسب تراوح بين 68 و77 في المائة من إجمالي قيمة تلك الوحدة، وفقا لبيانات السوق العقارية خلال الفترة 2018 - 2021.
وبالنظر إلى الأسباب الحقيقية وراء التضخم الهائل لأسعار الأراضي، ومن ثم الأسعار النهائية للمساكن وأي منتجات عقارية أخرى عليها، وأنها نتجت عن وجود تشوهات (احتكار واكتناز ومضاربات) أكثر من أي عوامل أخرى، وبحال تم القضاء على تلك التشوهات والعمل المستمر على إضعاف أي فرصة لوجودها أو تشكلها مرة أخرى، سنجد أننا في منظور أعوام قليلة لاحقة مقابل منتجات عقارية وسكنية لن يتجاوز الوزن النسبي لقيمة الأرض فيها سقف 20 إلى 25 في المائة من إجمالي قيمة المسكن، وأن القيمة السوقية هنا تعكس بعدالة تكاليف مواد البناء والعمل الذي تم بذله للتشييد، وهي القيمة التي ستكون أدنى بما لا يقل عن 50 في المائة من حجمها المتضخم سابقا، وأن مما سيترتب على تلك النتائج الإيجابية، أن المطور العقاري سيصبح في مقدوره أن يسهم في تطوير وتشييد وبناء أعداد أكبر من المنتجات العقارية ذات جودة أفضل، وضخها في السوق العقارية بأسعار عادلة وقريبة جدا من قدرة المستهلك النهائي، الذي لن يكون هو بدوره مضطرا لتحمل أعباء أكبر من التمويل العقاري اللازم لشراء تلك الوحدة، بالصورة التي لن يتجاوز مكرر تكلفة المسكن إلى إجمالي دخله السنوي سقف خمس مرات، ولن يتم استقطاع أكثر من 33 في المائة من دخله الشهري لسداد الأقساط المستحقة عليه.
يشكل اتساع النموذج الإيجابي أعلاه دعما قويا للنمو الاقتصادي والتنمية الشاملة المستدامة، فعدا أن تكلفة امتلاك المسكن أصبحت لا تشكل عبئا كبيرا على كاهل المستهلكين، الذين أصبح متوافرا لديهم نحو ثلثي دخلهم الشهري، ولفترة زمنية مرتبطة بسداد الالتزامات اللازمة تراوح بين خمسة وعشرة أعوام على أبعد تقدير، ما سيمكنهم من الادخار والإنفاق الاستهلاكي، وضخ متحصلاتها الكبيرة في الاقتصاد الوطني، الذي سيعزز بدوره من النمو المستدام عموما، ونمو القطاع الخاص خصوصا الذي سيسهم في زيادة قدرته على التوظيف وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، ويسهم أيضا في زيادة تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وترسيخ مصادر النمو الاقتصادي الأكثر استقلالية عن النفط.
يمكن التأكيد أيضا أنه عدا كل ما تقدم أعلاه من إيجابيات لا بد من العمل على الوصول إليها، فإن الوصول إلى العدالة على مستوى أسعار الأراضي، نتيجة القضاء على التشوهات التي أفضت إلى تضخمها، سيكون واحدا من أكبر دعائم اجتذاب الثروات والاستثمارات المحلية والأجنبية لتتجه نحو توظيفها في الفرص الاستثمارية الواعدة في الاقتصاد الوطني، عوضا عن اتجاه نسبة كبيرة منها نحو الاكتناز أو المضاربة في الأراضي، التي سيؤدي تحققها مجتمعة عبر أعوام متتابعة، إلى إحداث التطوير الواسع والمستهدف في الاقتصاد عموما، وبيئة الأعمال المحلية خصوصا، وما يحمله كل ذلك من زيادة مطردة في النشاطات الاقتصادية، ستنعكس إيجابيا على استدامة النمو الاقتصادي، والتحسن المستمر في مستويات الدخل، وزيادة متانة الاقتصاد الوطني، وخفض درجات المخاطرة المرتبطة بارتفاع حجم الديون على الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، وتحول النمو الاقتصادي المتحقق هنا في القطاع الخاص به إلى أن يصبح أكبر ممول للإيرادات غير النفطية في الميزانية العامة، والمساهمة في تحقيق الهدف الاستراتيجي للرؤية 2030 برفع تلك الإيرادات إلى نحو 1.0 تريليون ريال، بل إمكانية تجاوز تلك المستهدفات إما قبل موعدها النهائي، أو خلال الأعوام التالية لذلك الموعد.
ختاما: يجب التأكيد أن التضخم العقاري تحديدا في أسعار الأراضي، الناتج عن وجود تشوهات (احتكار، اكتناز، مضاربة) يقتضي العمل على معالجته بأسرع وقت، حماية للاقتصاد الوطني والمجتمع من آثاره العكسية لاحقا، وأنه مختلف تماما عن نمو أسعار تلك الأصول الناتج عن النمو الاقتصادي الذي بحال حدوثه سيكون متزامنا مع النمو الشامل لمختلف نشاطات الاقتصاد، وهنا يكمن الاختلاف الكبير جدا بين الحالتين.
نقلا عن الاقتصادية
(ختاما: يجب التأكيد أن التضخم العقاري تحديدا في أسعار الأراضي، الناتج عن وجود تشوهات (احتكار، اكتناز، مضاربة) يقتضي العمل على معالجته بأسرع وقت،) تأخر هذا الوقت كثيرا ... من 20 عام وهذا التضخم موجود ولم يتم معالجته !
رغم هذا التأخير الطويل جداً، للأسف الكبير أنّ وتيرة تنفيذ رسوم الأراضي جاءت أبطأ من كل التوقعات، ويكفي الإشارة إلى ضعف التطبيق كمؤشر حقيقي؛ أن مجموع ما تم تطويره طوال الخمسة أعوام الماضية لم يتجاوز 14 مليون متر مربع، من إجمالي الأراضي المشمولة بالمرحلة الأولى (411.5 مليار متر مربع)، أي بما لا يتجاوز 3.3%.. الحلول واضحة ومتوافرة، ولا تحتاج أكثر من تطبيقها بالكامل، ولا يُنتظر أي انخفاض في أسعار الأراضي إلا من هذا الباب فقط، وما سواه لا ولن يجدي معه أي حلول أخرى.. وشكراً جزيلا لتعليقك الكريم
أخي الكريم/عبدالحميد: لا زالت الممارسات العقارية المخالفة للأنظمة تظهرُ أمام أعيننا !!.. خذْ مثلا الحملة الإعلانية التي قفزت للعلن قبل كم يوم عن ضاحية مليونية الأمتار على ساحل الخليج العربي ما بين مدينتي الدمام والخبر (مقابل جامعة الإمام عبدالرحمن) وفيها على الأقل المخالفات التالية: 1) لا يجوز تملك الأراضي الساحلية كما أوضحته قبل شهرين في المدونة التالية : (https://www.argaam.com/streamer/comments/670026).. 2) عدم مراعاة مبادرة السعودية الخضراء بعدم تخصيص أراضي خضراء وفق المعايير العالمية (35 م2 لكل شخص).. أما ما يظهر من مناطق خضراء على المخطط فلن تجدها بعد 5-10 سنوات قادمة إذ ستتحول إلى فلل كبيرة وكما تثبته ممارسات البلديات منذ عقود عديدة!!!... والله المستعان.
كفيت ووفيت أخي الموقر بتعليقك وإضافتك، وهي تضاف إلى التشوهات التي وجب القضاء عليها، وتسببت فيما نحن فيه من غلاء كبير جداً لأحد أهم مدخلات الانتاج والاستخدام والاستهلاك (الأراضي).. ويجب التأكيد على أن الحلول متوافرة ولا تحتاج سوى إلى التطبيق الكامل لها أسوة بجميع السياسات والبرامج التي نصت عليها رؤية المملكة 2030 وتم تطبيقها بالكامل إلا نظام الرسوم على الأراضي الذي لا زال يتحرك تنفيذه ببطء شديد جداً.. ولكم وافر التحية والتقدير
ياحبي لك ياخي ، مع اني ما احب التعصب لا لفكرة ولا لشخص ، العنوان صادم وغير منطقي من الولة الاولى ولكن المقال يعتبر درس ومرجع اسمح القبك بلقب (المهندس الاقتصادي)
جعلني الله أهلاً لثقتك الغالية أخي الموقر، وللحق ففي بلادنا الكثير جداً من المختصين اقتصاديا وماليا، الذين أعتبر نفسي طالباً في علمهم وخبرتهم.. حفظكم الله ولكم وافر التحية والتقدير