تقوم الهيئة العامة للمنافسة بمهام كبيرة في سبيل تطبيق نظام المنافسة، الذي يهدف إلى حماية المنافسة العادلة ومنع الممارسات التجارية التي تؤثر في المنافسة المشروعة وتؤثر في النهاية في مصلحة المستهلك. وقد صدر النظام المحدث للمنافسة قبل عامين، وصدرت لائحته التنفيذية العام الماضي، وقامت الهيئة هذا الأسبوع بإصدار دليل إرشادي لإيضاح الطرق التي تتبعها فيما يخص عمليات الاندماج والاستحواذ، ودور الجهات التي لديها مثل هذه العمليات في إبلاغ الهيئة مسبقا، إلى جانب إيضاح الرسوم الواجب دفعها والغرامات التي ستفرض على المخالفين.
من المهم الإشارة إلى أن الهيئة أصدرت هذا الدليل الإرشادي كمسودة لأخذ آراء العموم حول ما ذكر فيه من إيضاحات وتفسيرات لنظام المنافسة ولائحته التنفيذية، لذا فهذا المقال يستعرض بعض الملاحظات حول الدليل نفسه، وحول بعض النقاط في لائحة نظام المنافسة.
قبل الدخول في التفاصيل، وكمختصر سريع، يؤكد الدليل أنه يجب على أي مؤسسة أو شركة أو الجهات الربحية وغير الربحية والخيرية، بل حتى الأفراد الذين ليس لديهم كيان نظامي ولكن لديهم نشاط اقتصادي، هؤلاء جميعا مطالبون بإبلاغ الهيئة عن أي حالات اندماج أو استحواذ ستتم فيما بينهم، وذلك قبل إتمام الصفقة بثلاثة أشهر. وتكلفة الإبلاغ على المتقدمين هي نسبة من المبيعات المتوقعة بعد الاندماج، وبحد أقصى 400 ألف ريال، ومقدار العقوبة لمن يخل بذلك غرامة تصل بحدها الأقصى إلى 10 في المائة من المبيعات السنوية.
معظم دول العالم لديها أنظمة لحماية المنافسة، والمملكة لا تختلف عن هذه الدول، ف في نسخته الأولى صدر قبل 17 عاما، وقد مارس مجلس المنافسة قبل أن يصبح هيئة عامة أعماله منذ البداية، وكانت هناك حالات كبيرة ومشهورة لتجاوزات تم تصحيحها وإيقاع عقوبات كبيرة بحق المخالفين مع التشهير بهم. وعلى الرغم من ذلك، فهذه الحالات قليلة جدا، يذكر منها مخالفات شركات الأرز المتعلقة بتثبيت الأسعار أو العبوات، ومخالفات شركات مشروبات غازية لتثبيت الأسعار، أو تلك المخالفات التي قامت فيها بعض الشركات بالتنسيق فيما بينها للتقديم على منافسات حكومية.
هذا الجانب من حماية المنافسة مهم جدا، لما له من تأثير أولا في الشركات المتنافسة نفسها، وثانيا في المستهلكين، غير أن هناك جانب آخر لنظام المنافسة معني بما يعرف بالتركز الاقتصادي، الذي يحدث عندما يكون هناك حالات اندماج أو استحواذ أو أي نوعا من التعاون بين منشأتين أو أكثر من شأنه أن يحدث انتقال في الملكية من جهة لأخرى. مشكلة التركز الاقتصادي التي تهتم بها الهيئة هي أن الجهة الجديدة الناتجة عن الاندماج قد يتكون لديها سلطة مطلقة أو وضع مهيمن قوي يجعلها قادرة على القيام بتصرفات مخلة بالتنافس العادل بين الشركات. ولذلك، جاءت اللائحة التنفيذية للنظام لإيضاح طبيعة التركز والسيطرة وكيفية معرفة الحالات الواجب إبلاغ الهيئة عنها، والحالات المستثناة من ذلك، أو تلك التي لا تنطبق عليها اللائحة.
أوضح الدليل أن الجهات المملوكة بالكامل للدولة مستثناة من نظام المنافسة إذا كانت تلك الجهات مخولة وحدها من الحكومة بتقديم سلع أو خدمات في مجال معين، وأن هذا الاستثناء يسقط متى تم إدخال شركاء من القطاع الخاص بأي نسبة تملك في الشركة الحكومية، بحيث لا تصبح الشركة مملوكة بالكامل للدولة. الملاحظة على هذه النقطة أن الهدف من الاستثناء غير واضح، وما علاقته بملكية الدولة، وما الحدث الجوهري الكبير الذي ينتفي معه هذا الاستثناء بمجرد طرح جزء من ملكية الشركة المملوكة للدولة لأطراف أخرى؟ معظم الشركات التي لديها احتكار لسلع أو خدمات معينة، مثل الكهرباء والاتصالات والبتروكيماويات، ليست شركات مملوكة بالكامل للدولة، وهذه الشركات لديها تركز كبير جدا، فما المانع من التزامها بضوابط الاندماج والاستحواذ مثل غيرها من الشركات؟ وفي نهاية الأمر، الهيئة لديها صلاحيات تقديرية لاتخاذ القرار المناسب. كما أن التركز الاقتصادي بحد ذاته غير ممنوع، ولا يوجد كذلك إشكالية من حيث المبدأ بوجود السيطرة، كون العبرة هي في التصرفات المخالفة التي قد تقوم بها الجهة.
هذا الاستثناء يبدو كذلك أنه يخول الشركة المملوكة للدولة بالاستحواذ أو الاندماج مع جهات أخرى دون حاجة إلى فحص التركز الاقتصادي، حيث ضرب الدليل مثالا لشركة حكومية مخولة بنشاط توريد السكر وبيعه، وكيف أنها لو قررت الاستحواذ على شركة مختصة بصناعة الشوكولاتة فلا يلزمها الإبلاغ في هذه الحالة. ويبدو أن هذا غير صحيح، لأن السماح الحكومي لهذه الشركة يقتصر على مجال بيع السكر، بينما هذا الاستحواذ قد ينشأ عنه تركز لهذه الشركة في مجال الشوكولاتة والحلويات، وهي ليست مخولة بذلك.
في سبيل إيضاح الكيانات التي ينطبق عليها شرط الإبلاغ عن أي تركز اقتصادي لديها، أوضح الدليل أن النظام ينطبق حتى على الأفراد الذين لا يوجد لديهم كيان نظامي، طالما أن لديهم نشاطا اقتصاديا. وضرب الدليل مثالا لفردين يعملان في المقاولات من الباطن، وذكر نصا أنه “لم يؤسس أي منهما شركة أو كيانا نظاميا، بل يعملان كشخصين طبيعيين بأسمائهما التجارية الفردية”. ثم يستطرد المثال في كيف أنهما قررا أن ينشئا مشروعا مشتركا لتوحيد الجهود وتجنب التنافس الحاد فيما بينهما، وبذلك فعليهما إبلاغ الهيئة قبل تكوين هذا المشروع المشترك. الفكرة هنا واضحة، وهي أن نظام المنافسة ينطبق على الجميع، بغض النظر عن الكيان، لكن ربما هناك مبالغة في هذا المثال، وإن لم يكن هناك مبالغة، فمن غير الواضح كيف يمكن تطبيق ذلك بشكل عملي، وهل من حاجة إلى القيام بذلك.
الدليل كذلك أوضح جزئية الإبلاغ الواردة في اللائحة بالقول، إن أي شخص أو جهة تمارس أي نشاط تجاري، حتى إن لم يكن بمقابل، يجب عليها إبلاغ الهيئة في حال الرغبة في الاندماج أو الاستحواذ. وهنا مرة أخرى الفكرة التي تصر عليها اللائحة أن أي نشاط اقتصادي يعد خاضعا لنظام المنافسة، لكن سقط في هذا المثال وأمثلة أخرى غيره، أي إشارة إلى مبيعات الجهة الجديدة التي تستوجب إبلاغ الهيئة.
ربما نحتاج إلى العودة إلى اللائحة مرة أخرى، فقط أشير هنا أن اللائحة حددت 100 مليون ريال وأكثر مبلغا للإيرادات السنوية للجهات المتحالفة، التي عندها يستوجب إبلاغ الهيئة وأخذ موافقتها على التحالف المزمع. والملاحظة هنا هي، أن هذا المبلغ قليل جدا، وأنه ينطبق على عدد كبير جدا من الجهات، حتى أن بعض محال التموينات تصل مبيعاتها السنوية إلى هذا الحد، وبالتالي ستكون معظم التحالفات خاضعة لموافقة الهيئة، حتى إن لم يكن هناك جدوى من ذلك أو أهمية. كما أن أخذ معيار المبيعات وحده كسبب رئيس للإبلاغ يبدو غير مثالي، والسبب أن هناك مجالات كثيرة - لعدة أسباب - ليست ذات أهمية في مسألة التركز ومبيعاتها عالية.
وأخيرا، ربما الأكثر نفعا، والأفضل من ناحية عملية، أن تقوم الهيئة باستخدام تصنيف الأنشطة التجارية المتوافر لدى وزارة التجارة لتحديد المجالات الخاضعة لاشتراط موافقة الهيئة، وتحديد الحصة السوقية الملزمة لكل نشاط، بشكل شفاف ومعلن للجميع، كون ذلك من مسؤولية الهيئة بحكم اطلاعها ومعرفتها بالسوق، وبالتالي لا يكون الإبلاغ إلزاميا إلا لمن نشاطه وارد في قائمة الهيئة.
نقلا عن الاقتصادية