يعتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن في جدوى ومضمون "النظرية النقدية الحديثة"، وفحواها أنه طالما ظلت أسعار الفائدة منخفضة، فإنه يمكن لأى حكومة أن تنفق وتقترض تريليونات الدولارات دون أن تتكبد خسائر، بل يمكنها مراكمة الثروة، ولا شك أن هذا السلوك المالي المتهور سيغرق الولايات المتحدة في جبال من الديون خلال السنوات المقبلة.
رصدت إدارة البيت الأبيض نفقات بنحو 6 تريليونات دولار، وقد ترتفع إلى 8 تريليونات دولار، ومن المنتظر إقرار زيادة ضريبية قدرها تريليونا دولار، مما سيزيد حجم الديون إلى 7.6 تريليونات دولار، وهذا الرقم القياسي أكثر من الديون التي تراكمت على الرؤساء الأربعة السابقين، ولهذا تبحث الإدارة الأميركية عن كيفية التخلص من عبء الديون التي سترتفع إلى أكثر من 150 ألف دولار لكل مولود جديد، علماً بأن عجز الميزانية السنوي عادة لا يتجاوز تريليون دولار، إلا أنه تجاوز ثلاثة تريليونات دولار عام 2020 بسبب كورونا، وقد يتخطى تريليوني دولار هذا العام.
تندرج جميع النفقات المقترحة في بيان الميزانية تحت بند "الاستثمارات"، ومنها نفقات وزارة التعليم ومنح رعاية الأطفال وإجازة الأبوين المدفوعة ومنح الرعاية المقدمة لشركات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ومنح العدالة البيئية وأنظمة النقل الجماعي التي لا يركبها سوى القليل من الناس، والمساعدات الموجهة للولايات والمدن التي صوتت للديمقراطيين، ناهيك عن منح التأمين ضد البطالة، وحتى مبلغ الـ30 مليار دولار الذي يريد الرئيس بايدن إنفاقه لتوظيف 75 ألف وكيل في مصلحة الضرائب، يندرج بدوره ضمن الاستثمارات.
لم تحصل الوزارتين الأكثر أهمية في حكومة بايدن، وهما الدفاع والأمن الداخلي، على أي زيادة في ميزانيتيهما، إذ ذهبت كل الزيادات إلى البرامج الاجتماعية المحلية المصممة لإعادة توزيع الثروة، ويتوقع فريق بايدن الاقتصادي وصول معدلات النمو على مدى العقد المقبل إلى 2%، وبالنظر إلى أن جزءا كبيرا من النمو سيأتي مباشرة من الإنفاق الحكومي، فإنه من المتوقع وصول معدل النمو في القطاع الخاص إلى 1% سنويا، وهذه الحالة توصف بـ"الركود العلماني"، وهو مصطلح يشير إلى حالة نمو اقتصادي ضئيل أو معدوم.
الآن، كل المؤشرات تدل على أن إدارة بايدن مستعدة للتعامل مع عشرات مليارات الدولارات من الديون إلى أجل غير مسمى، ومن المؤكد أن زيادة الديون سترفع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وحتى لو أقرّ بايدن زيادة في الأجور، فإن من المتوقع أن يتجاوز معدل التضخم نسبة الزيادة، مما يعني انخفاض مستويات معيشة أصحاب الدخل المتوسط وكبار السن الذين يعيشون على دخل ثابت، ومع ارتفاع التضخم وما قد يسببه من صدمات للمستهلكين، ينبغي على الكونجرس مكافحة ارتفاع الأسعار وخفض قيمة الدولار من خلال إلغاء بعض النفقات غير الضرورية من الميزانية، لا زيادتها.
وبهذه الطريقة لن تكون الصين بحاجة إلى بذل أي جهود لمحاولة خفض قيمة الدولار الأميركي حتى يصبح اليوان الصيني العملة العالمية المهيمنة، لأن الولايات المتحدة هي التي ستقوم بذلك مستقبلا لخفض قيمة ديونها، ولهذا فإنه من المرجح أن يتخلى بعض النواب الديمقراطيون عن ولاءاتهم الحزبية الضيقة برفض التصويت على الميزانية التي تقوم على سياسة مالية متهورة، من أجل محاولة الخروج من حلقة الاقتراض الرهيبة.
خاص_الفابيتا