بدأ الصيف لهذا العام، الصيف الثاني لجائحة «كورونا»، بعدما سوّق الكثيرون العام الماضي أن درجات الحرارة في الصيف كفيلة بإنهاء الفيروس. ولكنّ الفيروس لم ينتهِ، واستمر في الانتشار، منهكاً اقتصادات العالم والقطاعات التجارية بشتى أنواعها. وعند الحديث عن الصيف والقطاعات المتضررة بالجائحة، يأتي قطاع السياحة في المرتبة الأولى، فحين انتشر الفيروس، كان أول الإجراءات الاحترازية لعديد من الدول منع السفر، وما زال هذا الإجراء متّبعاً في عدد من الدول، بل إن المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها قام بتصنيف الدول إلى خمس فئات حسب مستوى قابلية السفر إليها. وهو ما يعني استمرار هذه الإجراءات لهذا الصيف على الأقل، وتضرر السياحة الصيفية للعام الثاني على التوالي.
وقطاع السياحة (حتى قبل الجائحة على الأقل) كان يشكل 4.4% من الناتج القومي لدول مجلس التعاون الاقتصادي والتنمية، و6.9% من الوظائف فيها، و21.5% من الخدمات. وهناك دول تعتمد بشكل هائل على السياحة ومنها دول كبرى مثل فرنسا التي تشكّل السياحة 7.4% من ناتجها القومي، وإسبانيا بـ11.8%، واليونان بـ6.8%، والبرتغال بـ8%، أما الأضرار غير المباشرة لانهيار قطاع السياحة فهي كبيرة كذلك بما يوفره هذا القطاع من حراك اقتصادي داخل البلد سواء على مستوى الصادرات أو الخدمات أو الوظائف غير المباشرة.
ولقد قللت الجائحة من الخيارات المتاحة أمام السياح والقطاع السياحي، فلتجاوز العديد من العقبات أمام السياحة الصيفية، اتجه الكثير من السياح نحو السياحة الخاصة، وتحديداً السياحة الفاخرة والتي تتميز بالعزلة عن الناس بدلاً من الاختلاط بهم، ولذلك فقد زادت في السنة الأخيرة رحلات السفر بالطائرات الخاصة. وتشير الإحصاءات إلى أن المسافر في المتوسط يختلط بنحو 700 شخص في الرحلة الواحدة، ذلك ما بين إجراءات دخول الطائرة وتسليم وتسلم الأمتعة مروراً بطاقم الطائرة وركّابها. بينما ينخفض هذا العدد في الطائرات الخاصة إلى 20 شخصاً فقط! كما أوضحت إحصائية أخرى لـ«غلوب إير» أن خطر انتقال الفيروس في الطائرات الخاصة أقل بثلاثين مرة من مثيلاتها التجارية. وقد ارتفعت نسبة استخدام الطائرات الخاصة في العام الأخير بشكل كبير، ففي الصين على سبيل المثال، زاد استخدام الطائرات الخاصة بنسبة 87% لهذا العام مقارنةً بعام 2019 (قبل الجائحة). بينما أعلنت شركة «سينتيت غيتس» للطائرات الخاصة عن زيادة قدرها 127% في ركابها، نصفهم استخدموا الطائرات الخاصة لأول مرة. كما اتجه عدد من السياح نحو اليخوت الفاخرة، فانتعش قطاع تصنيع اليخوت الفاخرة بشكل غير مسبوق منذ بداية العام الحالي. وقد صرح مصنع «دامين» الهولندي بوصول مبيعات اليخوت الفاخرة إلى أكثر من 800 مليون يورو، بينما أعلنت شركة أخرى عن بيعها لأكثر من 200 يخت فاخر بأكثر من مليار جنيه إسترليني منذ بداية هذا العام فحسب.
إن الضرر الواقع على القطاع السياحي قد يستمر لأكثر من عام، ومع استمرار انتشار الفيروس توجب على الدول إيجاد حل لهذا القطاع الذي يعد ترفيهياً للسياح، إلا أنه مصدر رزق للملايين من سكان العالم. ولذلك فإن التعاون الدولي هو ضرورة لانتشال هذا القطاع الجوهري من أزمته، وإيجاد حلول مستدامة له، حتى لا يتوقف بشكل مفاجئ كما هو الحال اليوم. وقد أوصت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بهذا التعاون لإنقاذ قطاع السياحة العالمي. أما الحلول المؤقتة التي تفرضها الجائحة كالطائرات الخاصة واليخوت الفاخرة فهي قد تشكّل حلاً مؤقتاً لنسبة ضئيلة من السياح، ونسبة أصغر من العاملين في قطاع السياحة. ولكن النسبة الأكبر لا تزال في انتظار حلول دولية تسهم في صمود هذا القطاع حتى تنجلي هذه الغمة.
نقلا عن الشرق الأوسط