يبدو أن الوعي بمضمون تعارض المصالح ما زال غائباً عند البعض، برغم وضوحه القانوني، وكونه من قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة ومن متطلبات الإفصاح في المستويات المختلفة، والوظائف العليا والاستشارية على وجه الخصوص، ومن المحرمات شرعاً ونظاماً. أحسب أن هناك من يغض الطرف عن هذا الجانب لتحقيق المنفعة دون النظر إلى معايير النزاهة ومتطلبات المسؤولية الوظيفية التي تجرم استغلال المنصب لتحقيق منفعة مالية أو معنوية أو الإخلال موضوعيته أو حياديته في اتخاذه قراراً أو إبدائه رأياً على علاقة بوظيفته أو علاقته التعاقدية مع الجهة. ولا يتوقف تحقيق المنفعة عند الموظف أو المستشار بل يتجاوزه إلى الجهة التي ربما استفادت من الحالة التعاقدية في تحسين صورة المنشأة أو غض الطرف عن تقصيرها في أداء المهام الموكلة لها، أو ربما التغطية على أخطاء فادحة تتعارض مع الأنظمة والقوانين. وللأمانة فلهيئة الرقابة ومكافحة الفساد دور رئيس في وقف تلك الممارسات المخالفة، والمجرمة قانوناً، يثبت ذلك الكثير من القضايا والإدانات المعلنة لمخالفين في القطاعين العام والخاص، وأحسب أن دور «نزاهة» المفصلي هو المنقذ -بعد الله- من تبعات تلك الممارسات الخاطئة، بالرغم من محاولات التخفي التي يمارسها مخالفو الأنظمة من خلال إنشاء شركات لإخفاء شخصياتهم في عقود التعاقد، أو ربما خلق منشآت بأسماء الأقرباء أو الأصدقاء والشركاء، وهي حيلة ما زالت فاعلة حتى اليوم، برغم أدوات الرقابة الصارمة.
من المهم أن تكون ثقافة النزاهة مقدمة على أدوات الرقابة، والتي يمكن من خلالها تحقيق الرقابة الذاتية، إلا أنه أمر يصعب الوصول إليه في المرحلة الأولى من تفعيل دور «نزاهة» وإطلاق يدها لضبط ومحاكمة الفاسدين. فمن لم تردعه مخافة الله، فلن تؤثر فيه ثقافة النزاهة المأمولة، التي ربما كان أثرها الأكبر على الجيل الجديد الذي لم يتلطخ بعد بأوساخ الفساد. لذا فمن الوجب دعم جهود «نزاهة» والإبلاغ عن شبهات تعارض المصالح وخيانة الأمانة لتعزيز النزاهة والحد من مخالفة الأنظمة والقوانين، وضمان جودة المخرجات وتحقيق العدالة، والأمن، وحماية المال العام ومقدرات الوطن، وتحقيق الأهداف التنموية.
تحقيق كفاءة الإنفاق من أهم أهداف رؤية 2030، ورغم وضوح معناها ومكوناتها وأهدافها، وإنشاء هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية لتمكين الأجهزة الحكومية من الإلتزام بسقف الإنفاق المخصص في الميزانية وتنظيم الصرف والمواءمة بين الإنفاق والمخرجات التنموية ووقف الهدر وضمان الجودة، إلى أن هناك تسطيح لمضامينها وأهدافها من قلة من الجهات الحكومية التي تتعامل معه كشعار جودة تطبعه على تقاريرها دون الالتزام متطلباتها. الحقيقة أن «كفاءة الإنفاق» يجب أن تكون ممارسة على أرض الواقع، وتتحول إلى منهج عمل، وليس شعارا يُستغل لتمرير الأخبار الصحفية أو تقارير الأداء، وبما لا يعكس الواقع المالي الذي ربما لحق به الهدر، وضعف المخرجات.
أجزم أن متطلبات «كفاءة الإنفاق» من الجوانب المهمة التي يتطلب الأمر مراقبتها عن كثب، من قبل الهيئة أولاً، كمرجعية، إضافة إلى «نزاهة» والجهات الرقابية الأخرى، لضمان تحقيق أهدافها ومضامينها على أرض الواقع.
نقلا عن الجزيرة