الاستثمار "الطفيلي" في التمويل العقاري المدعوم

31/05/2021 0
د. سعيد القحطاني

صاحب المسكن الأول (First-Time Home Buyer) يواجه صعوبات في البحث عن سكن يحقق له الاستقرار مع أسرته, بسبب استغلال بعض الفئات المتطفلة للدعم السكني في الاستثمار في سوق الأسهم أو شراء مسكن ثاني أو حتى شراء سيارة فارهة.

مع العلم ان جميع السياسات الإسكانية والدعم الحكومي موجه لمساعدة صاحب المسكن الأول (فقط), ولكن هذه الفئات الغير محتاجة للسكن تقفز أمام صاحب المسكن الأول في السوق العقاري (الغير منظم) وتضايقه في مصدر ثروته الوحيد من باب المضاربة والاستثمار والحصول على مكاسب سريعة.

لذلك يضطر صاحب المسكن الأول إلى شراء العقار بسعر مرتفع حتى يغلب هذه الفئات المتطفلة والتي تنافسه في السوق. وللأسف ان هذه المنافسة غير عادلة, لأن صاحب المسكن الأول يزايد على سعر بسبب حاجته لسكن يعيش فيه هو وأسرته, أم هذه الفئات فتزايد من باب الاستثمار والمضاربة في السكن ومن غير حاجة له.

الفئة الأولى "المخادع": وهو من أسوأ الفئات المتطفلة التي تزاحم صاحب المسكن الأول, وفيها يقوم العميل بعملية احتيال الرهن العقاري (Mortgage fraud) وهي جريمة يعاقب عليها القانون في الدول المتطورة. لأن هذا التمويل العقاري مبني على ادعاءات كاذبة, وأيضا تعطل وصول الدعم السكني للأسر المستحقة.

فينتهي المطاف بالتمويل العقاري المدعوم والذي حصل عليه هذا العميل المخادع كاستثمار في سوق الأسهم أو الأسواق الأخرى أو سيارة فارهة. على سبيل المثال قد يصل الدعم السكني بشكل دوري إلى محفظة في سوق الأسهم تم تمويلها بالتمويل السكني المدعوم. أو قد يصله الدعم السكني في تمويل سيارته الفارهة.

ولكن كيف تستغل هذه الفئة المتطفلة الدعم السكني؟ هذا العميل أصلاً يملك مسكنه, ولكن قبل أن يطلب الدعم السكني يتواطأ مع طرف ثاني على نقل ملكية هذا المسكن , ومن ثم يتم شراؤه مرة أخرى من العميل نفسه ورهنه مقابل مبلغ التمويل العقاري المدعوم الذي يصل إلى جيبه في نهاية الأمر.

الفئة الثانية "الخامل": هذا العميل غير محتاج للسكن, ولكن يريد أن يشتري ويستثمر في وحدة سكنية أخرى بالتمويل العقاري المدعوم ويقوم بشرائها وبتأجيرها مباشرة بدون أن يسكن فيها (Buy-to-let landlords). فيستلم شهرياً قسط الإيجار من المستأجر بالإضافة إلى استلام مبلغ الدعم السكني.

فهذا العميل يقوم بتحويل وحدات كانت معدة للبيع والتملك إلى عقار استثماري إيجاري (Rental property). لذلك يقل حجم العرض السكني للوحدات المعروضة للبيع ويزيد حجم الوحدات الإيجارية, فترتفع الأسعار وتنخفض الإيجارات كما هو موضح في الرسمة المرفقة. لذلك نلاحظ أن هذه الظاهرة ارتفعت مع زيادة الدعم السكني في 2019, حيث اتسعت الفجوة بين أسعار العقار وتكلفة الإيجار. 

 

الفئة الثالثة "المضارب": وهذه الفئة يملك رأس المال الازم لالتقاط الوحدة السكنية قبل أصحاب المسكن الأول والذين دخلوا سوق العقار بأعداد كبيرة لأول مرة خلال السنتين الماضية, ومن ثم يتم إعادة بيعها على صاحب المسكن الأول بسعر أعلى. فيلعب هذا العميل دور الوسيط الخامل بين المطور العقاري والصاحب المسكن الأول, بمعنى أن العقار قد يتم تداوله مرتين خلال فترة قصيرة كما هو موضح في الرسمة المرفقة. ونلاحظ أيضا ازدياد هذه الظاهرة مع زيادة الدعم السكني خلال السنتين الماضية. 

 

 هذه الفئات المتطفلة جميعا تحصل على أرباحها على حساب معاناة صاحب المسكن الأول, وهي (تقتات) فقط على الدعم الحكومي وعبئ كبير على الاقتصاد. والعوائد التي تحصل عليها هذه الفائت المتطفلة لا يقابلها إنتاج اقتصادي, كصاحب المسكن الأول الذي يحصل على دخله مقابل جهده في وظيفته, أو المطور العقاري الذي يحصل على دخله مقابل إنتاجه وتجهيزه للوحدات السكنية.

وأنا هنا أتسأل عن نسبة الدعم السكني الذي ينتهي به المطاف كاستثمار وإلى أسر غير محتاجة للسكن, خصوصا إذا ما عرفنا أن إجمالي عدد عقود التمويل العقاري السكني الجديد للأفراد والمقدم من المصارف تجاوز 500 ألف عقد تمويل عقاري مدعوم منذ بداية 2019 وحتى اليوم.

أخيرا, أعتقد بأن مشكلة التخصيص في السوق من أهم أسباب أزمة السكن, وأن العرض السكني في أفضل حالاته. وان تجاهل مشكلة التخصيص في السوق والعمل فقط على الطلب والعرض العقاري, سوف يجعل هذه العقارات السكنية الجديدة أصول "مضاربية" تشعل أسعار العقار أو تصبح أصول "معطلة" لا يستفيد منها السوق.

 

خاص_الفابيتا