أنسنة المدن للتنمية والسلامة المرورية

24/05/2021 0
د.صالح السلطان

شهدنا حديثا إطلاق وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان مبادرة "أنسنة المدن"، بهدف تحسين جودة الحياة وتحسين المشهد الحضري لجميع شرائح وفئات المجتمع في جميع مناطق المملكة. كما شهدنا تأسيس صندوق الاستثمارات العامة شركة عقارية باسم "روشن العقارية". وتعمل الشركة على تطوير أحياء سكنية تحقق أنسنة المدن.

الحدثان يهدفان ضمن ما يهدفان إلى جعل التجمعات السكنية في المدن وغيرها بيئات أحسن لساكنيها من نواحي الراحة والجاذبية والصحة والبيئة والتنمية بمعناها الشامل. باختصار، الارتقاء بجودة الخدمات عن طريق توفير بيئة أفضل.

تحقيق تلك البيئة له متطلبات منها مزيد عناية بما يحسن مستويات السلامة المرورية للساكنين. حيث يلاحظ أن عدد وضحايا وتكاليف حوادث السيارات في بلادنا نسبة لعدد السيارات وعدد السكان مرتفع كثيرا مقارنة بعديد من الدول. في مسح لمنظمة الصحة العالمية عن السلامة في الطرق عام 2008، سجلت السعودية أعلى معدل وفيات من حوادث الطرق بين دول "مجموعة العشرين"، وما زالت النسبة مرتفعة رغم تحسن الوضع مع مرور الأعوام.

السلامة المرورية للمشاة وغيرهم عنصر أساسي لتوفير بيئة سكنية صحية معيشية أفضل. ولا شك أن بلادنا بذلت جهودا كبيرة خلال الأعوام الماضية بما أسهم في تقليل إصابات حوادث الطرق. والمؤمل تطوير مبادرة وزارة الشؤون البلدية بما يسهم في تحسين عناصر السلامة المرورية لتقليل الحوادث. مطلوب زيادة الاهتمام بما من شأنه إدخال تطوير في سلوك السائقين ليرتقي إلى مستوى الرؤية وتطلعاتها بتحقيق التنمية المستدامة. السلوك الحالي في نسبة كبيرة من السائقين يعرقل جهود الرؤية وتطلعاتها. وتسببت عيوب في شوارعنا إلى زيادة الحوادث، وإلى ضعف انضباط وسلوكيات نسبة كبيرة من السائقين.

يمكن توجيه الناس نحو سلوكيات أفضل عبر تبني استراتيجيات مؤثرة فائدتها تفوق كثيرا تكلفتها. وثقة الناس في بلادنا بالحكومة مرتفعة جدا، بحمد الله. إن توجيه السلوكيات وتغييرها نحو الأفضل مطلب للنهوض وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة. كما أنه مطلب لتقليل هدر الأرواح والوقت والموارد.

وجود أرصفة للمشاة مفصولة عن حركة مرور السيارات هو المقصد الأهم من وجود الأرصفة في مدن وأمصار العالم المسماة بالمتطورة. لكن الوضع القائم في أغلب أحيائنا أن الرصيف للشجر وقارعة الطريق للبشر.

في بعض شوارعنا، خاصة داخل بعض الأحياء، الأرصفة إما غير موجودة أو لا تصلح لاستخدام البشر إلا قليلا. نخرج ويخرج أطفالنا من البيوت إلى المساجد والمدارس والمحال المجاورة فنضطر إلى السير وسط الشارع معرضين أنفسنا لأذى وأخطار السيارات تعريضا كبيرا، ومع الوقت تعودنا على هذا الوضع الأعوج.

وجود الأرصفة المناسبة للمشي والمفصولة عن حركة السيارات يسهم في رفع الوعي المروري لدى الصغار وأفراد المجتمع على المدى البعيد.

إنني لا أدعي أن سير المشاة على الأرصفة يمنع نهائيا حوادث السيارات ضد المشاة، لكن من المؤكد أنه يقلل وقوعها ويقلل عدد ونسبة المصابين من جرائها بدرجة كبيرة. ومعلوم أن تقليل المفسدة مطلوب شرعا.

مشكلة أخرى في أرصفة بعض الشوارع، وهي كونها مرتفعة أكثر من اللازم، والمتوقع أو المفروض وجود مواصفات ملزمة بارتفاع الرصيف، على أن يحزم في معاقبة السائقين الذين يستخدمونه مواقف لسياراتهم ولو جزئيا، وتزداد أهمية المواصفات عند التقاطعات وعامة الأماكن التي يعبر منها المشاة الشوارع. مشكلة ثالثة وهي كون بعض الأرصفة في الشارع الواحد متفاوتة الارتفاع بشكل حاد فجائي، ما يدفع المشاة إلى عدم استخدامها. من الواجب أن تمنع السلالم أو الدرج بين الأرصفة، وهذا يعني أن يرتفع الرصيف وينخفض بسلاسة، تعكس ارتفاع وانخفاض الشارع، وهذا ما نراه منفذا عادة في الدول الأخرى الحريصة على سلامة وراحة المشاة. مشكلة رابعة وهي استعمال البيوت والمحال جزءا كبيرا من الرصيف درجا، ما يدفع المشاة أيضا إلى ترك استخدام الرصيف.

يجب أن توضع مواصفات وتصاميم الأرصفة المناسبة، وتوضع تعليمات لكيفية معالجة وإصلاح الأوضاع القائمة في الأحياء والبيوت والشوارع مهما صغرت. ثم يفرض تطبيق هذه التعليمات، خلال فترة زمنية محددة لا تقل مثلا عن خمسة ولا تزيد على عشرة أعوام، وينظر في كيفية تغطية تكاليف الإصلاح. كما يقترح وضع لوحات بتحديد السرعة متبوعة بوضع أدوات المراقبة المرورية «ساهر» على جميع الشوارع مهما صغرت، أو على الأقل تعلق التعليمات بوضوح في كل مدخل من مداخل كل حي.

إننا نؤمن بالقدر خيره وشره، لكننا نؤمن أيضا بأننا مسؤولون عن تصرفاتنا، ونحن مطالبون شرعا وعقلا باتخاذ الأسباب، وعمل الاحتياطات لدرء أو تقليل المفاسد.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية