قبل ما يزيد على العام بقليل، كتبت مقالاً بعنوان «الشلل الاقتصادي لن يطول»، تناولت فيه الوضع السائد في العالم حينها، من ارتفاع في معدلات البطالة، وانهيارات اقتصادية، وتشاؤم ووجوم ساد العالم بسبب الجائحة. كانت السوق الصينية حينها بدأت بالتعافي بشكل طفيف، إلا أن هذا التعافي كان بارقة أمل للعالم الذي رأى أمامه هاوية يوشك على السقوط فيها. أما اليوم فقد اختلف الحال، وبدأ العديد من الدول في رؤية ضوء آخر النفق، وتجاوزت دول أخرى هذا النفق إلى ضوء النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد العالمي 6 في المائة هذا العام.
ويبدو المستقبل القريب مشرقا للكثير من دول العالم، ويتوقع أن تحقق بعض الدول نسب نمو تاريخية هذا العام، ومن هذه الدول بريطانيا، التي عانت قبل الجائحة من آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعانت أثناء الجائحة بتفشي الفيروس بعد سياسة صحية جانبها الصواب. أما اليوم فبريطانيا تشهد تفاؤلاً غير مسبوق، وفي استفتاء لأكثر من 280 رئيسا تنفيذيا في بريطانيا، اتضح أن معدل التفاؤل لديهم في أعلى مستوياته منذ 1973 كيف لا وبريطانيا تتوقع نمواً هذا العام بنحو 4 في المائة يليه نمو بـ7.3 في المائة العام القادم، وهو أعلى معدل نمو في بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد زادت مبيعات قطاع التجزئة في بريطانيا في الربع الأول بـ5.4 في المائة، وانخفضت معدلات البطالة إلى 4.9 في المائة.
وفي أميركا، يبدو أن حزمة المساعدات التي أقرها الرئيس بايدن قد تغير الكثير في هذا العام، فقد غيّر صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي عام 2021 من 5.1 في المائة إلى 6.4 في المائة. وتوقع غولدمان ساكس أن يرتفع الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من هذا العام 10.5 في المائة، وهو أعلى نمو للولايات المتحدة منذ 1978، كما توقع صندوق النقد الدولي أن يستمر الاقتصاد الأميركي بالنمو العام القادم بنسبة 3.5 في المائة.
أما الصين، وهي سيدة النمو الاقتصادي في هذا العام، فقد حققت في الربع الأول نمواً تاريخياً بنسبة 18.3 في المائة. وتوقع لها صندوق النقد أن تنمو بنسبة 8.4 في المائة هذا العام و5.6 في المائة العام القادم. وذكرت تقارير أن قطاع الطيران عاد لجزء من نشاطه في الصين، وأن نشاط الطيران الخاص في الصين قد تضاعف اليوم عما هو عليه قبل الجائحة.
والمتأمل في هذه الدول الثلاث، يجد عاملين مشتركين، الأول هو التفوق في تحصين السكان ضد الفيروس باستخدام اللقاحات أياً كان نوعها. ومع وصول عدد الجرعات المعطاة في العالم اليوم إلى مليار جرعة، فإن نحو 20 في المائة من هذه الجرعات أعطيت في الصين (بنحو 210 ملايين جرعة)، أما الولايات المتحدة فقد تفوقت على الصين في عدد الجرعات بـ225 مليون جرعة، وتحصين 28 في المائة من السكان بشكل كامل. وفي بريطانيا، فقد حصّنت الحكومة 18 في المائة من السكان بشكل كامل، بجرعات زادت على 45 مليون جرعة. وبين هذه الدول الثلاث، نحو نصف جرعات اللقاح المعطاة في العالم! أما العامل الثاني، فهو الدعم الحكومي اللامتناهي للاقتصادات، فقد دعمت حكومة الولايات المتحدة اقتصادها بعدد من حزم المساعدات كان آخرها حزمة الرئيس بايدن بـ1.9 تريليون دولار. وقد أنفقت الحكومة البريطانية أكثر من 190 مليار جنيه إسترليني لمقاومة الجائحة. أما الصين، فقد نشطت الحكومة الصينية القطاع الخاص والصناعي بزيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، وقد خلقت بذلك طلباً بديلاً في الأسواق عن طلب المستهلكين. ويمكن النظر في حال أي دولة في العالم اليوم، والحكم على مستقبلها الاقتصادي القريب من خلال النظر في هذين العاملين.
إن التوقعات الاقتصادية لهذا العام تدعو للتفاؤل، والعجلة الاقتصادية بدأت في الدوران لتزيد الطلب العالمي على السلع والطاقة. ولكي يستمر هذا الوضع، فلا بد من الحذر في التعامل مع هذه الجائحة، وعندما أصدر صندوق النقد الدولي توقعاته لهذا العام في يناير (كانون الثاني)، كان ينظر لعالم مختلف عما هو عليه اليوم، ولذلك فقد زاد توقعاته للنمو للعديد من الدول التي رأى منها بوادر تحسن ملموس في الربع الأول. إلا أن هذا الوضع قد ينقلب في أي حال، والبنك الدولي قد توقع في يناير أن ينمو الاقتصاد الهندي بأكثر من 12 في المائة في هذا العام، وهو أمر لا يبدو ممكنا إذا ما استمر الوضع الصحي في الهند على ما هو عليه. ولذلك فإن العالم وإن رأى ضوء آخر النفق، فيجب عليه الحرص ألا يدخل في نفق آخر.
نقلا عن الشرق الأوسط
الدخول في نفق آخر هو المتوقع فهناك قلة إستفادت من هذه الازمة ولا زالت ولذلك فهي تحاول الحفاظ على مكاسبها بأي ثمن