تستهدف الدول والمجتمعات زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة في حجم القطاع الخاص والناتج المحلي. وزيادة المساهمة لها فوائد شتى في التوظيف وتقليل تركز الدخول والثروات وتحفيز نمو الاقتصاد وغير ذلك. لكن أمام تحقيق زيادة المساهمة عقبات ومتاعب لا تخفى على ذوي الشأن. ربما كانت بداية المتاعب في التعريف. هناك تعريفات عامة في كل دولة، والعادة في التعريف استناده إلى الحالات المتوسطة في أعين الناس. لكن التفاوت كبير بين المتوسط ومكونات هذا المتوسط. ولتسهيل فهم هذا الكلام أضرب المثال التالي. نفترض أن لدينا عينة من ثلاثة أشخاص، راتب كل واحد بالألف: 3 و7 و20. المتوسط 10، لكن هذا لا يلغي وجود تفاوت كبير بين الثلاثة في الراتب، وتفاوت كبير بين المتوسط والراتب الأدنى والراتب الأعلى. والقصد أن المتوسط لا يخلو من عيب التسهيل الزائد للأوضاع وطبيعتها. وتطبيقا للكلام السابق، فإن المنشآت التي تحمل أسماء صغيرة تتفاوت تفاوتا عظيما في حجمها وقدراتها المالية والتشغيلية ومستويات الربحية وما إلى ذلك. قد تكون صغيرة وفق معايير لكنها متوسطة أو متناهية الصغر أو ربما كبيرة وفق معايير أخرى. وقد يحدث العكس. وتنعكس هذه الضبابية أو التفاوت على تعريف وتعامل قطاعات كالمصارف مع المنشآت الصغيرة. تواجه المنشآت الصغيرة تحديات كثيرة. منها البيروقراطية أو الإجراءات الحكومية، ومنها التمويل، فمؤسساته تتردد وتتخوف كثيرا وترى في الأمر مخاطر عالية، وقد تكون لجان المخاطر في بعض البنوك تبالغ أحيانا في تخوفها. من التحديات صعوبة الوصول إلى الأسواق في حالات كثيرة. ومن التحديات صعوبة المنافسة لاستقطاب كفاءات بشرية. في بلادنا مشكلات من نوع آخر. مشكلات ولدتها عوامل على رأسها ثقافة الاستقدام ونظرة المجتمع للعمل المهني.
تعودنا على الاستقدام على مدى عشرات الأعوام وكان لهذا التعود تأثيرات بالغة القوة والعمق في الأعمال والمهن وبنية المنشآت وأعمالها والتوظيف والتعامل مع العاملين ودفع مستحقاتهم. وإصلاح هذه الأوضاع بما يتناسب مع تطلعات الرؤية وضبط الأمور للأصلح يتطلب وقتا.
التدرج في تطبيق برنامج حماية الأجور:
برنامج حماية الأجور بالغ الأهمية والفائدة، لكنه ينبغي التدرج في التطبيق، وفي فرض العقوبات، وليس التسرع. السبب أن الأخطاء والمخالفات حصل كثير منها من جراء جهل وأخطاء وثقافة علاقة عمالية ليست الأصلح لكنها تراكمت عبر عشرات الأعوام. من جهة أخرى، ينبغي التدرج في فرض وتطبيق ما جلبته التقنية الحديثة من تطورات وما يبنى عليها من ثقافة وحماية. ويصحب التدرج التوسع لرفع مستوى وعي أصحاب المنشآت الصغيرة البسيطة بكل طريقة عملية ممكنة.
التدريب المهني:
ملاحظ ضعف كثير من القدرات المهنية أو التعالي عليها في مجتمعنا من جراء عوامل، على رأسها، التعود المبالغ فيه على الاستقدام. سيسهم (التدريب المهني) في توسيع القدرات المهنية ونشرها في المجتمع، وستوفر المئات من برامج ومراكز التدريب المهني في المملكة، سواء بدوام كامل أو جزئي، حيث تكون متاحة بسهولة لمن يرغب. وهذا ما بدأت بتنفيذه المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. ونحتاج إلى وقت طويل حتى نرى النتائج. وليس من الضروري أن يمكث المتدرب مدة طويلة ومتفرغا في البرنامج التدريبي، بل المهم أن يجيد المهنة التي يختارها، حتى لو اكتسبها عبر تدريب جزئي مسائي. وهناك وسائل عديدة لإغراء الشباب بالالتحاق ببرامج ومراكز التدريب.
تسهيل تنقل الوافدين تحت ضوابط وبتدرج:
نمو معظم منشآت ونشاطات القطاع الخاص اعتمد كثيرا على توظيف يد عاملة غير سعودية. ذلك لأن معظم الأنشطة في القطاع الخاص تعتمد في تشغليها إلى حد كبير جدا على اليد العاملة غير السعودية. والتعديلات الأخيرة في العلاقة بين الوافد وصاحب العمل يفترض أن تخفف من الطلب على الاستقدام وتخفف من شدة الاعتماد على الوافدين. ومتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تقليل الحاجة إلى الحصول على تأشيرات. أما العكس أعني تسهيل الحصول على التأشيرات، فإنه يعمق الاعتماد على اليد العاملة من الخارج.
لكن من المهم جدا التدرج في التطبيق. وهذا لا يعني أن التدرج ليس فيه عيوب. فلا توجد سياسة تطبيقها خال من العيوب. المهم الصافي بكون المحاسن تطغى على المفاسد، خاصة على المدى البعيد.
تسهيل فهم الإجراءات:
من أصعب ما يواجه أي منشأة صغيرة في أي بلد في العالم كثرة وصعوبة فهم إجراءات الحكومة، مثل إجراءات منح الترخيص لمزاولة النشاط وتجديد هذه التراخيص. والإجراءات بيد جهات حكومية كثيرة. وتزيد المشكلة مع ضعف فهم بعض المراقبين الحكوميين طبيعة النشاط الذي يراقبونه. وكل هذا يتطلب عمل مزيد من الجهود يما يزيد العلم بهذه الإجراءات وكيفية التعامل معها وتطبيقها.
باختصار، هناك أنواع أو عوامل كثيرة لتحفيز نمو ومساهمة المنشآت الصغيرة. ومن أهمها سياسات المالية العامة والسياسات والإجراءات الحكومية المنظمة لنشاط القطاع الخاص. وهناك التعليم والتدريب المحلي وجودة المشورة والدعم الفني غير المالي. وهناك مدى جودة موظفي الحكومة المنوط بهم منح التراخيص أو مراقبة عمل القطاع الخاص، مدى جودة أدائهم وفهمهم طبيعة الأنشطة التي يرخصونها أو يراقبونها. وهناك مساهمة الجهات البحثية في النقاش وطرح الحلول. وهناك سياسات ووسائل لإحداث تغييرات في العادات والثقافات السائدة المثبطة.
نقلا عن الاقتصادية