صدر قبيل أيام معدودة تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، لصندوق النقد الدولي. ويعد أشهر تقرير دوري عن الاقتصاد العالمي تصويرا وتوقعا. وصدور هذا التقرير بعد مرور ما يزيد على عام قليلا على ظهور وانتشار جائحة كورونا. جائحة جرت إلى خسائر بشرية ومادية بالغة. نسأل الله أن يعجل بزوالها.
من أهم النقاط أن تضرر الاقتصاد العالمي كان أقل كثيرا مما كان متوقعا قبل عام تقريبا. والسبب الأول - بعد لطف الله - سياسات الدعم العظيمة التي طبقتها دول العالم، وكانت بلادنا من السباقين. ورغم ذلك لا يزال أمام العالم القيام بأعمال كثيرة لتقليل الأضرار.
يقدر الصندوق أن الانكماش في الاقتصاد العالمي كان بين 3 و4 في المائة العام الماضي. ومتوقع أن ينمو في حدود 6 في المائة هذا العام. أما على المدى المتوسط العام المقبل وأعوام قليلة بعده، فمتوقع تحقق نمو سنوي بين 3 و4 في المائة. ويفسر الصندوق انخفاض النمو المتوقع مقارنة بهذا العام، بأنه يعكس تأثير أضرار وقعت ومتوقعة في الإمدادات، وفي مؤثرات كانت موجودة قبل الأزمة، مثل تزايد نسبة المتقاعدين. هل يتضمن ذلك حثا على الزواج في سن أبكر مما هو شائع الآن، ما يسهم في تأثيرات منها زيادة نسبة المواليد؟ نقطة نقاش لم يتعرض لها تقرير الصندوق.
وبالمناسبة، ذكر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" قبل شهور أنه حتى إذا حدث تعاف أقوى من التوقعات خلال العام الحالي، سيخسر الاقتصاد العالمي نحو عشرة تريليونات دولار من إجمالي الناتج المحلي نتيجة جائحة فيروس كورونا المستجد وإجراءات الإغلاق لمكافحة الفيروس. ورقم عشرة تريليونات يعادل نحو ضعف إجمالي الناتج المحلي لليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
تفاوت الأضرار:
تفاوتت الدول والقطاعات في تضررها من الجائحة. الأكثر اعتمادا على السياحة وتصدير المواد الأولية والدول الأقل قدرة على تكييف السياسات العامة من صحية وغيرها كانت هي الأكثر تضررا. كما زادت التفاوت عوامل ذات طبيعة هيكلية مثل انخفاض الإنتاجية، وشيخوخة في سكان ما يسمى الدول المتقدمة.
لكن تيسير السياسة النقدية خفف بعض الشيء من تأثير تلك التوترات في الاقتصاد العالمي، خاصة في أسواقه المالية. وساعد على نجاحها ضعف الضغوط التضخمية.
تبقى التوقعات حبيسة مسار الجائحة وتبعاتها. فمثلا، مدى تأثر السلالات الجديدة من فيروس كورونا - 19 باللقاحات. ومن التبعات كيفية تطور أوضاع الماليات العامة للدول، ومدى قدرة الاقتصادات على التكيف.
التوصيات:
إعطاء مزيد أهمية للحذر في تصميم وتنفيذ السياسات. وينبغي تعزيز الحماية الاجتماعية، مثل توسيع نطاق الأهلية للحصول على تأمينات ضد العطالة، لتشمل مشتغلين ما كانوا عادة داخلين في النطاق.
لكن تطبيق التوصيات واتخاذ المواقف يختلفان تبعا لاختلاف ظروف الدول. ويوصى بتصميم استجابات في السياسات بما يتماشى مع أوضاع الجائحة وقوة التعافي وخصائص بنية الاقتصادات. وفي هذا يرى الصندوق أنه بمجرد توسع التلقيح لأكثرية السكان، فإنه يمكن العودة التدريجية لأوضاع ما قبل الجائحة، بما في ذلك تخفيف القيود بصورة ملحوظة. ويوصي الصندوق بالحفاظ على سياسة نقدية تيسيرية، لكن دون تجاهل لمخاطر على الاستقرار المالي. أما على المدى البعيد، فمطلوب العمل بقوة على الحد من الندوب الاقتصادية من خلال تعزيز الطاقة الإنتاجية. وأقوى أدوات تحقيق ذلك الاستثمار العام وزيادة حوافز التوزيع الكفء للموارد، والابتعاد عن توجهات مفاجئة.
وركز تقرير الصندوق على موضوع التعاون الدولي وكونه عاملا حيويا بالغ الأهمية. وهنا لا ننسى جهود بلادنا في قمة الـ 20 العام الماضي، جهودها في الدفع تجاه تعاون دولي يتصف بكونه أقوى وأنفع.
ماذا بشأن اقتصادات دول الخليج؟
يتوقع الصندوق تعافي اقتصادات الخليج بوتيرة أسرع مما كان متوقعا في العام الماضي. يتوقع ارتفاع معدلات النمو إلى نحو 6 في المائة بدلا من 5 في المائة.
محليا، الأمور تدعو إلى التفاؤل. تباطؤ النمو أمر متوقع لا غرابة فيه. لكن متوقع أن ينعكس المسار العام المقبل، حيث متوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي في بلادنا العام المقبل بحمد الله. ويدعم هذه التوقعات ما تشهده بلادنا من إصلاحات اقتصادية قوية. ما زالت أبواب الإصلاح والتطوير قائمة. لكن من المهم أن يعلم أن آثارها تظهر بصورة أكثر وضوحا مع مرور الوقت.
نقلا عن الاقتصادية