جودة الاستثمارات الأجنبية

12/04/2021 0
د. عبدالله الردادي

في عالم اليوم، يتنافس كثير من الدول في جذب الاستثمارات الأجنبية إليها، مقدمة الإعفاءات الضريبية واليد العاملة الماهرة والأنظمة القانونية الضامنة والبيئة الاجتماعية المناسبة... وغيرها من عوامل الجذب التي تشجع الشركات الأجنبية على ممارسة أنشطتها في تلك الدول. ولا يشك في الاستثمار الأجنبي بما يجلبه من منافع اقتصادية للدول، تتمثل في توفير الوظائف للسكان المحليين، وزيادة التنافسية في القطاع الخاص، ونقل الخبرات من الشركات الأجنبية، إضافة إلى ما يشكله من أهمية في تكامل الاقتصاد العالمي وفتح الآفاق للاستثمار خارج الحدود. إلا إن الاستثمارات الأجنبية ليست نافعة بشكل مطلق؛ بل إن بعض الاستثمارات الأجنبية تجلب الضرر للدول أكثر من النفع، ولذلك يحرص كثير من الدول على جودة الاستثمارات الأجنبية الواردة إليها، وتحدد شروطاً لهذه الاستثمارات بما فيه مصلحة للطرفين.

ويمكن تقسيم جودة الاستثمارات الأجنبية بحسب أهداف التنمية المستدامة إلى خمسة أقسام:

القسم الأول يُعنى بالإنتاجية والابتكار، ويعني ذلك أن تزيد الاستثمارات الأجنبية من الإنتاجية في البلد وأن تحسن من أنشطتها الابتكارية بما تجلبه له من خبرات ومعارف ونقل للتقنيات. ويرتبط القسم الثاني بما هو متعارف عليه من توفير للوظائف ذات الجودة العالية والأمن الوظيفي المرتفع. كما تشترط أهداف التنمية المستدامة أن ترفع الاستثمارات الأجنبية من مهارات اليد العاملة فيها، لا أن تجلب اليد العاملة الماهرة من الخارج دون نقل لهذه المهارات للمواطنين. أما القسم الرابع؛ فيعنى بالمساواة الاجتماعية والعرقية. وينظر القسم الأخير في المحافظة على البيئة من خلال استخدام الطاقة النظيفة أو غيرها من الممارسات البيئية الصحيحة.

وتعد هذه الأقسام الخمسة مجرد أمثلة على الأهداف التي تنظر فيها الدول عند جلب الاستثمارات الأجنبية، فقد يحدد بعض الدول القطاعات التي ترغب في جذب استثمارات أجنبية فيها، وقد تحد أو تمنع قطاعات محددة، مثل بعض الصناعات أو الموارد الطبيعية أو البنية التحتية... أو غيرها، لأسباب منها أسباب أمنية، أو المحافظة على القطاعات الاستراتيجية من سيطرة الشركات الأجنبية، أو حماية القطاع الخاص المحلي، أو تحفيز المنشآت الصغيرة. وقد تشترط اشتراطات معقدة تحفظ لها حقوقها في بعض القطاعات شديدة الجاذبية، مثل الموارد الطبيعية؛ كأن تشترط حصة من الموارد لزيادة الآثار الاقتصادية أو الاجتماعية.

وتختلف الدول في اشتراطاتها على الاستثمارات الأجنبية الواردة، وتعدّ أبرز المعايير المشترطة حجم الوظائف الموفرة، وقيمة وحجم الاستثمار الأجنبي الوارد وما يضيفه للناتج القومي، ومعدل الرواتب للوظائف الموفرة للمواطنين، وما إذا كان فرع الشركة مقراً إقليمياً أم عالمياً. كما يعطي كثير من الدول الأفضلية للاستثمارات الأجنبية التي تساهم في زيادة الصادرات وذلك لإعطاء القيمة المضافة اقتصادياً. وتعطي أخرى أفضلية للشركات التي تركز على أنشطة البحث والتطوير والتي تجلب معها منافع اقتصادية واجتماعية علاوة على استدامة استثمارات هذه الشركات التي تركز على الاستثمارات طويلة المدى مثل البحث والتطوير.

وتعطي الدول أفضلية في بعض القطاعات بحسب توجهها الاستراتيجي، فعلى سبيل المثال، تعطي تشيلي أولوية في الاستثمارات الأجنبية لقطاعات الأغذية والبنية التحتية والسياحة، وتفضل نيجيريا الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاتصالات والكهرباء والمواصلات، وتميّز المجر الاستثمارات في قطاعات صناعة السيارات والإلكترونيات، أما فيتنام فتحاول جذب الاستثمارات في قطاع التقنيات الزراعية.

إن المنفعة الموجودة في الاستثمارات الأجنبية تعود على الطرفين (الشركات الأجنبية والحكومات)، ويمكن للحكومات استخدام الاستثمارات الأجنبية أداة استراتيجية وفعالة لتحقيق مستهدفاتها المستقبلية، سواء أكانت هذه المستهدفات بتطوير قطاعات محددة، أم بالارتقاء بالتنافسية المحلية، أم حتى لبناء شراكات سياسية مثمرة. أما انجذاب الشركات الأجنبية لدولة ما، فهو أمر مرهون وبشكل مباشر بمعرفة عوامل جذب الشركات الأجنبية والتميز في هذه العوامل، وإذا ما تمكنت الدول من تجاوز هذه النقطة بنجاح، فسيكون قدوم الشركات الأجنبية لها مسألة وقت، ويمكن حينها للدول استخدام هذه الاستثمارات لتحقيق أجندتها الوطنية.

 

نقلا عن الشرق الأوسط